يا أيها الجيل! إن العالم لم يكد يشهد مذ أن برأه الله على ظهر البسيطة إفساداً عاماً، وطاعوناً أخلاقياً جارفاً إلا مرتين على كثرة ما شهد من الطواعين الجسمانية، كما يقول صاحب الآثار، إحداها في الجاهلية قبل الإسلام، يوم كان العالم فريسةً للأثرة والاستعباد والاستبداد، والفساد والإفساد، يوم كان العقل عبداً للهوى، والفكر عبداً للوهم، والحقيقة للخرافة، والفطرة رهينة الاعتلال والاختلال، ولكن الله تداركهم بالإسلام، وكتابه القرآن، ورسوله الأمين صلى الله وسلم عليه، فما هي سوى فترة حتى أصبح يمرح ويسبح من النعيم في النعيم.
وأما الثانية فهي في عهدنا هذا، ولو أننا استشهدنا التاريخ: أيُّ المرتين كانت أشد وأدهى وأمر؛ لقال غير متجانفٍ لإثم: إن شر المرتين الثانية، الآخرة الحاضرة، الشر في الأولى كان من بعض دواعيه الجهل، أما الشر في الثانية، فكل دواعيه العلم، قد كان الشر يعرض على الناس باسمه وفي ثوبه الحقيقي، فأصبح اليوم يعرض باسم الخير وفي ثوب الخير، كان العالم متباعد الأجزاء، وفي تباعد الأجزاء تقليلٌ من بواعث الشر، واليوم أصبح العالم حياً واحداً الشر فيه يسري ويستشري.
لابد من حلٍ ومن علاج من غير تطويلٍ ولا لجاج
هذا هو داء العالم، والقرآن دواؤه، هذا مرض العالم العضال، والقرآن طبيبه.