عباد الله: وهل تخفى أخبار المجتمع الإسلامي على الأعداء؟ إن هناك صَفَّاً يعمل داخل الصف الإسلامي دائماً، ولذلك يجب أخذ الحيطة والحذر وألا تكون أسرار وخفايا المجتمع المسلم معلنة للجميع لتنقل للعدو فينفذ من داخلها للمسلمين.
يقول كعب: فبينما أنا أمشي بسوق المدينة إذا نَبَطي من أنباط أهل الشام يسأل أهل السوق: من يدل على كعب؟ فطفق الناس يشيرون له إليَّ حتى جاءني فدفع إليَّ كتاباً؛ ممن؟ من مَلِك غسَّان؛ فإذا فيه: أما بعد: قد بلغني أن صاحبك -يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم- قد جَفَاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ومضيعة؛ فَالْحَقْ بنا نُواسِك.
قال: فلما قرأتُها قلت أيضاً: هذا من البلاء -هذا من الامتحان- ثم تيممت بها التَّنور، فسجرته بها -أحرقها يا عباد الله- هذا هو ديدن أعداء الله يتحسسون الأنباء ويترصدون الفرص والأخبار، وكم من أقدام في مثل هذا زلَّت وانزلقت.
إن المسلم قد يخطئ لكنه لا يعالج الخطأ بخطأ آخر؛ قد يخطئ فيتخلف عن الغزو في سبيل الله، لكنه لا يتبع هذا بخيانة الأمة وموالاة أعداء الله ومظاهرتهم على المؤمنين.
إن أداة المعصية حين تكون قريبة فإنها تذكر بالمعصية، وتفتح للشيطان باب الوسوسة والمراودة الكرةَ بعد الكرةَ، أما كعب فقد تخلص من هذه الأداة، فأحرقها حتى يغلق مثل هذا الباب رضي الله عنه وأرضاه، وهذا هو الحل.
إن آلة المعصية التي توجد في المنازل وفي المكاتب وفي غيرهما حين تترك -بعد العلم بضررها والتوبة منها- مدعاة لأن يضعف أمامها يوماً ما، ويعاود القرب منها والممارسة لها إلا من عصم الله، فلينتبه وليتخلص منها كما فعل كعب بالرسالة، يمم بها التنور فسجرها، ولا يزال البلاء والتمحيص بـ كعب؛ حتى أمر باعتزال زوجته، فامتثل الأمر واعتزلها وطلب منها اللحاق بأهلها حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.