لنقف قليلاً مع حديث الإفك لنأخذ منه الدروس والعبر، إن في ذلك لذكرى لمن له قلب، فاسمعوا لـ عائشة المبرأة من فوق سبع سماوات رضي الله عنها وأرضاها، صاحبة المعاناة في حديث الإفك يوم تقول: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق، ولما دنونا من المدينة نزلنا منزلاً فبتنا فيه بعض الليل، ثم أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحيل.
قالت: فقمت فمشيت حتى جاوزت الجيش لأقضي حاجتي، وفى عنقي عقد لي، فلما قضيت شأني انسَلَّ من عنقي ولا أدري، ثم أقبلت إلى رحلي وتلمست صدري فلم أجد العقد، وقد أخذ الناس في الرحيل، قالت: فرجعت أتلمس عقدي فحبسني طلبه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافاً؛ فلم يستنكروا خفة الهودج.
قالت: فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، جئت منازلهم فإذا هي بلقع ليس بها داعٍ ولا مجيب، جلست في مكاني متلففة بحجابي أسبح الله وأستغفر الله، قالت: فأخذني النوم، وإذا برجل من أهل بدر من الذين اطلع الله عليهم فقال:{اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم} هو صفوان بن المعطل رضي الله عنه -هذا المجاهد الذي يقول عن نفسه بعد أن رمي بالفاحشة:[[والذي نفسي بيده، ما كشفت خمار أنثى لا تحل لي في جاهلية ولا إسلام]]- أتى إلى مكان عائشة فرآها وعرف أنها زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه يعرفها قبل الحجاب، قالت عائشة: والذي نفسي بيده ما كلمني كلمة ولا سلم عليّ حتى السلام، وإنما سمعته يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون! زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم أناخ بعيره فقمت وركبت بعيره، فأخذ زمام البعير يمشي به ولا يلتفت ولا يتكلم.