صورة أخرى أيها الأحبة: إن الزهد في الدنيا، والإعراض عن طلب زينتها، والعزوف عن شهواتها، من كمال الإيمان، ورجاحة العقول.
إذ الدنيا حقيرة، وزينتها خداع وسراب، شهواتها آلام تدفع بآلام، عرف ذلك الفاروق فركلها وقد أناخت عند قدميه.
وذلك -والله- هو الزهد بعينه.
ذكر السيوطي في كتابه: تاريخ الخلفاء أن ابن سعد أخرج [[أن حفصة وعبد الله -ابني عمر - كلما عمر فقالا له: لو أكلت طعامًا طيبًا كان أقوى لك على الحق.
قال: أكلكم على هذا الرأي؟ قالوا: نعم.
قال: قد علمت نصحكم لي، ولكني تركته، لقد تركني صاحباي على جادة -يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر - فإن تركت جادتهما لم أدركهما في المنزل]]:
له أمنياتٌ قَدَّسَ الله سِرَّها لتحقيقها في الأرض يرسو ويبحرُ
يَكِلُّ جناح النسر دون بلوغها وفي دربها الخيل الأصيلة تعثرُ
يذكر القرطبي في تفسيره عن قتادة أنه قال:[[ذُكِرَ لنا أن عمر-رضي الله عنه-قال: لو شئتُ لكنتُ أطيبكم طعامًا وألينكم لباسًا، ولكني أستبقى طيباتي للآخرة.
قال: ولما قدم الشام صُنِعَ له طعامٌ لم يُرَ مثله، قال: هذا لنا! فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا ولم يشبعوا من خبز الشعير، فقال خالد بن الوليد: لهم الجنة.
فاغرورقت عينا عمر بالدموع، وقال: لئن كان حظنا من هذه الدنيا هذا الحطام، وذهبوا هم في حظهم بالجنة، لقد باينونا بوناً بعيداً]] ثم أجهش بالبكاء:
يهفو إليهم لعل العيش يهنأ له ما بين صحب وأرحام وإخوان.