للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أطفئت نار المجوس في عهد عمر]

وأُطْفئت نار المجوس، وتمزق مُلْك كسرى، ولم تقم للمجوس قائمة، وفتحت الشام، ومصر، وفتح بيت المقدس، وتسلم مفاتيحه عمر -رضي الله عنه وأرضاه- وهو يخوض مخاضة الطين، ويقول: [[نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله]].

وسلمها عمر أمانة لكل من يَخْلُفه، فأين الأمانة يا مسلمون؟ ما الخبر بعد عمر؟ إنه الذل والهوان المكتوب على الأمة متى ما حادت عن دينها.

لقد ابتعد المسلمون عن مصادر عزهم فذلوا، وحادوا عن رشدهم فضلوا، وألغوا عقولهم فهانوا، عصوا الله وهم يعرفونه فسلط عليهم من لا يعرفه؛ فكان الهوان والضياع.

وضاعت القدس، ضاعت يوم أميتت في القلوب آل عمران والأنفال وبراءة، ضاعت يوم أُصِمَّت الآذان، واسْتُغْشِيت الثياب عن أصوات الناصحين الصادقين، ضاعت يوم ذُلَّ الأتقياء، وعُزَّ الأشقياء، وأغمدت سيوف الحق، ورفعت سيوف الباطل، يومها فُجِعْنَا بضياعه؛ لأننا أمة لا تستحق أن تُنْصَر.

لكل فاجعة في الدهر سُلْوان وما لنكبة أرض القدس سلوان

هذي مآذنه خرساء ذاهلة فلا أذان ولا في الناس آذان

بيت مشى أمس في ساحاته عمر فكيف يمرح فيه اليوم شيطان

ورفع الله الأتقياء بـ عمر، وسقط المجرمون، وشرَّق الإسلام في عهده وغرَّب، وأُدِيلت دول، وفُتِحت بلاد، ومُصِّرت أمصار.

يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أُدْمُ له والكوخ مأواه

يهتز كسرى على كرسيه فَرَقًا من خوفه وملوك الروم تخشاه

أيها الأحبة: إن السؤال الذي يطرح نفسه في ثنايا تلك الانتصارات: ما التوجيه الذي كانت تتلقاه الجيوش المؤمنة في ذلك العهد؟ إنه -ولا شك- قراءة سورة الأنفال تحت كل راية من رايات المسلمين، فتهشُّ لها القلوب والعيون المؤمنة، وتتنزل معها السكينة والطمأنينة، فيكون النصر.

والسؤال الآخر: ما ليل جند الله في جيش عمر؟ يقول سعد بن أبي وقاص: لقد كانوا يدوُّون بالقرآن إذا جن الليل كدويِّ النَّحل، وهم آساد في النهار لا تشبههم الأسود، ولم يفضل من مضى منهم من بقيَ إلا بالشهادة إذ لم تكتب لهم.

تحيا بهم كل أرض ينزلون بها كأنهم في بقاع الأرض أمطارُ

عُبَّاد ليل إذا جنَّ الظلام بهم كم عابدٍ دمعه في الخدِّ أجراهُ

وأُسْدُ غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون لقياه

فاسألوا عن كل نصر خالدا ً واسألوا عن كل عدل عمرا

يا رجال الليل قد طال المدى بلغ السَّيل الزبى وانحدرا

اصبروا إن عظم الخطب فما يدرك النصر سوى من صبرا

وانصروا الله يهبكم نصره واشكروه يعط من شكرا