وذاك غاد يغدو ليهلك نفسه بظلم عباد الله جلَّ وعلا، يظلمهم بلسانه، ويظلمهم بيده، ويظلمهم بأي نوعٍ من أنواع الظلم، ناسياً قول الله عزَّ وجل:{وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}[إبراهيم:٤٢] متناسياً أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، يرفعها الله فوق الغمام، ويقول سبحانه:{وعزتي وجلالي! لأنصرنك ولو بعد حين}.
هاهو سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، تأتي امرأة فتذهب إلى أحد خلفاء بني أمية وتقول: إن سعيد بن زيد غصبني أرضي وأخذها، وما كان لـ سعيد أن يأخذها، فيأتي به الخليفة، ويقول: أغصبتها أرضها يا سعيد؟! فتدمع عيناه، ويقول: والله ما غصبتها أرضها، ووالله لن أغصبها أرضها؛ لأني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:{من ظلم قيد شبرٍ من الأرض طُوِّقَهُ يوم القيامة من سبع أراضين} يصبحُ طوق له من سبع أراضين يحمله يوم القيامة.
ثم قال: فلتأخذ أرضي إلى أرضها، وبئري إلى بئرها، ونخلي إلى نخلها؛ فإن كانت صادقة فذاك، وإن كانت كاذبة فأعمى الله بصرها وأرداها في أرضها.
وتصعد الدعوة إلى الله جلَّ وعلا -الذي ينصر المظلوم من الظالم، وتخرج هذه المرأة، وبعد فترة تُصاب بالعمى، ثم تذهب لتتخبط في أرضها التي أخذتها بالزور والجور، ثم تسقط في البئر مُتردية ميتة، نسأل الله أن يُحِسن لنا ولكم الختام.
وهاهم البرامكة وزراء الرشيد الذين كان منهم ما كان، كانوا في نعمةٍ من الله؛ لكنهم ما صانوا نعمة الله، تكبروا وتجبروا وظلموا عباد الله عز وجل، وظنوا أنهم في بُعدٍ عن قبضة الله عز وجل، ويسلط الله عليهم الخليفة فيقتل منهم من يقتل، ويدخل السجن منهم من يدخل، ويضرب أحدهم ألف سوط ثم يُدخله السجن وهو من كبارهم.
فيأتي أحد أبنائه يزوره، فيقول: أبتاه! بعد العز أصبحت في القيد؟ كانت قصورهم مطلية بالذهب والفضة، أين الذهب والفضة يا أبتاه؟ قال: ألا تدري يا بني؟ قال: لا.
قال: دعوة مظلوم سرت في جوف الليل نمنا عنها وليس الله عنها بنائم: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}[إبراهيم:٤٢].