[بعض مواقف عمر بن عبد العزيز]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعثه ربه رحمة للعالمين.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً تبيض وجوهنا يوم أن نلقى الله: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩] يقول المولى سبحانه وتعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠].
أمتكم أمة مجيدة عظيمة كريمة، اختارها الله؛ لتكون واسطة العقد في هذا التاريخ، فهي الشاهدة على الناس والرسول عليها شهيد، إنها أمة تمرض لكنها لا تموت، وقد تَغْفُو أحياناً لكنها لا تنام، وتُغْلَب لكنها لا تُسْحَق، أخرج الله منها منائر للتوحيد وهداة للبشر، ومشاعل للحضارة الحقَّة.
فمع عَلَم من أعلام هذه الأمة نقف وقفة عظة وتذكر وتدبر، عَلَم يجب على الأمة أن تجعله وأمثاله قدوة من القدوات يوم كادت تغيب القدوات، ليكون حديث شيوخها في المنتديات، وقصصاً لأطفالها الذين لطالما أُشغلوا بالقصص الهابط والرسوم المتحركات، وحديثاً لبعض شبابها الذين لطالما شغلوا بالحديث عن اللاعبين والفنانات، وملئوا أسماعهم وأبصارهم بالأفلام والمسلسلات.
إنه من جعل كبيرَ المسلمين له أباً، وأوسطهم أخاً، وأصغرهم ولداً، فوقّر أباه، وأكرم أخاه، وعطف على ولده.
إنه القِيَم والأخلاق والمثل، وما أجمل وأروع أن نرى المُثل رجالاً، والأخلاق واقعاً ملموساً!
إنه من العادلين إن ذكر العدل، إنه الخائف من الله إن ذكر الخائفون، إنه من حيزت له الدنيا بين يديه فتولى الخلافة فلم يصلح بينه وبين الله أحد من خلقه، فخاف الله وما تكبر وما تجبر وما ظلم، خشي الله فعدل، خشي الله فأمن، خشي الله فرضي.
أظنكم قد عرفتم من هو؟
إنه عمر بن عبد العزيز رحمه الله.
وما أدراكم ما عمر؟! رجل لا كالرجال، وسيرة لا كالسير، وعذراً لن نَفِيَه حقه في هذه العجالة، لكن حسبكم وحسبي أن نقف عند بعض مواقفه؛ لنتفكر وننظر ونعتبر، والتاريخ نقرأ.
اقرءوا التاريخ إذ فيه العبر ضل قوم ليس يدرون الخبر
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف:١١١] فحيهلا بكم -عباد الله- إلى بحر عمر لنبحر، ومن لآلئه لنَقْبُسَ ونذكر، ومن درره ننهل فنَرْوِي ونروى، وعند ذكر الصالحين تتنزل الرحمة بإذن رب العالمين.