[قصة ابن عياش مع والدته]
الحمد لله رب العلمين وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
قدم رجل من اليمن مهاجراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أبكى والديه بهجرته وفراقه لهما، فقال له صلى الله عليه وسلم: {ارجع فأضحك والديك كما أبكيتهما}.
وجاء آخر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال: {أحي والدتك؟ قال: نعم.
قال: الزمها فإن الجنة عند رجليها} وكان هناك رجل يقبل كل يوم قدم أمه، فأبطأ يوماً على أصحابه، فسألوه فقال: كنت أتمرغ في رياض الجنة تحت أقدام أمي؛ فلقد بلغني أن الجنة تحت قدميها.
ولما ماتت أم إياس القاضي المشهور بكى عليها، فقيل له: ما بك؟ قال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة فأغلق أحدهما.
عباد الله: رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين، بر الوالدين يهدي به الله سواء السبيل، ويصلح لك ذريتك، ويمدك بعون منه، ويرزقك قبولاً في الناس، ويمتعك متاعاً حسناً بإذنه، ويسددك في أقوالك وأفعالك ويرضى عنك.
هاهو إبان بن عياش عليه رحمة الله يقول: خرجت من عند أنس بن مالك رضي الله عنه -عندما كان في البصرة بعد الظهر- قال: فرأيت جنازة يحملها أربعة نفر، فقلت: سبحان الله! رجل مسلم يموت ويمر بسوق البصرة ولا يشهد جنازته إلا أربعة نفر، والله لأشهدن هذه الجنازة، يقول: فحملت معهم، ثم بعد ذلك لما دفنا الرجل قلت لهؤلاء الأربعة: ما شأنكم وما شأن هذه الجنازة؟ قالوا: استأجرتنا هذه المرأة لدفن هذا الرجل، يقول: فتبعتها حتى وصلت بيتها، فجئتها وقلت: لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجل مسمى، قالت: الحمد لله أولاً وآخراً، قلت لها: ما شأن هذا الرجل الذي دفنتموه؟ قالت: هو ولدي كان مسرفاً على نفسه بارتكاب الذنوب والمعاصي، وكان عاقاً لي، وقال لي وهو مريض وهو في سكرات الموت: يا أماه! إذا أنا مت فلقنيني كلمة التوحيد فإذا قلتها وقضيت حياتي وأردت لي السعادة فضعي قدمك على خدي وقولي: هذا جزاء من عصى الله، ولا تخبري أحداً بموتي فهم يعلمون عصياني فلن يشهدوا جنازتي، ثم إذا دفنت فارفعي يديك إلى الله إن كنتِ تردين لي السعادة وقولي: يا رب! إني راضية عن ولدي فارض عنه، قال ابن عياش: فما عملتي؟ قال: فضحكت، فقلت: ما يضحككِ يا أمة الله؟ قالت: والله بعد أن دفن رفعت يدي إلى الله وقلت: يا رب! إني راضية عنه فارض عنه، قالت: فوالله إني سمعته بأذناي ينادي: يا أماه! قدمت على رب كريم رحيم غير غضبان علي ولا ساخط.
لا إله إلا الله ما أعظم بر الوالدين! ما أحوجنا إلى الدعاء منهم، ما أحوجنا إلى رضاهم، ما أحوجنا إلى برهم وصلتهم، علَّ الله أن يكتب لنا بذلك الرضوان، لكننا مع عظيم الأسف نرى البعض كأنه ليس بحاجة لدعائهم.
إنا نرى الرجل له الولد والولدان والثلاثة يقف على قارعة الطريق صباح ومساء انتظاراً لمحسن محتسب يوصله في طريقه، وأولاده على طرقهم لم يريدوا قطع لذيذ نومهم لأجل والدهم، لم يريدوا قطع لذيذ مشاهدتهم للمباريات والمسلسلات، وكثيراً ما نرى العجائز يتلمسن من جيرانهم وممن حولهن مساعدة في الوصول إلى المستشفيات أو إلى قريب من أقاربهن لزيارته، وأولادهن كلٌّ يقول: اذهب بها، أما يخشى هؤلاء عقاب رب العالمين: {لا يدخل الجنة عاق}؟!
هاهو رجل عاق لوالديه يجر أباه برجله إلى الباب فهيأ الله له ولداً أعق منه كان يجره برجله إلى الشارع، فكان إذا جر أباه إلى الباب قال: حسبك حسبك ما كنت أجر أبي إلا إلى هذا المكان، فيقول له ولده: هذا جزاؤك، وما زاد فهو صدقة عليك.
هذا في الدنيا والآخرة علمها عند الله عزَّ وجلَّ.