يا قاصد البحر: إني أُعيذك بالله أن تكون في نفسك عظيماً، وعند الله وضيعاً حقيراً، وأن تتزين في طريقك إلى البحر بما ليس فيك، ثم أعيذك أخرى أن تتصور أن تجمع في قلبك الإخلاص مع حب المدح والثناء؛ فإنهما ضدان لا يجتمعان أبداً.
اسمع إلى ابن القيم رحمه الله يوم يقول: لا يجتمع الإخلاص في القلب مع حب المدح والثناء والطمع فيما عند الناس، إلا كما يجتمع الماء والنار، والضب والحوت.
فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص، فأقبل على الطمع فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الآخرة في الدنيا، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء، سَهُل عليك الإخلاص.
فإن قلت: وما الذي يُسهل علىّ ذبح الطمع والزهد في الثناء؟
قلت: -أي ابن القيم - أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقيناً أنه ليس شيئاً يُطمع فيه إلا وبيد الله خزائنه لا يملكها غيره.
وصدق ابن القيم رحمه الله؛ فالقناعة بما يكفي وترك التطلع إلى الفضول أصل الأصول، والعز ألذُّ من كل لذة، والخروج عن رقَّة المِنن ولو بسفِّ التراب أفضل.
وهل عِزٌّ أعز من القناعة؟
سُئل أحدهم عن سر قوة الإمام الحسن البصري رحمه الله: فقال في صراحة: احتجنا إلى دينه، واستغنى عن دنيانا.
أما الزهد في الثناء؛ فيسهله عليك علمك أن ليس أحد ينفع مدحه ويزين، ويضر ذمه ويشين، إلا الله وحده؛ فازهد في مدح من لا يزينك مدحه، وفي ذم من لا يشينك ذمه، وارغب في مدح من كل الزين في مدحه، وكل الشين في ذمه، ولن تقدر على ذلك إلا بالصبر واليقين، فمتى فقدت الصبر واليقين، كنت كمن أراد السفر في البحر من غير مركب.