[الحسرة على أموال جمعت من وجوه الحرام]
الحسرة على أموال جمعت من وجوه الحرام؛ ربا ورشوة وغش وغصب وسرقة واحتيال وغيرها.
فيا لله! أي حسرة أكبر على امرئ من أن يؤتيه الله مالاً في الدنيا فيعمل فيه بمعصية الله، فيرثه غيره فيعمل فيه بطاعة الله، فيكون وزره عليه وأجره لغيره؟!
أي حسرة أكبر على امرئ أن يرى عبداً كان الله ملَّكه إياه في الدنيا، يرى في نفسه أنه خير من هذا العبد، فإذا هذا العبد أفضل منه عند الله يوم القيامة؟!
أي حسرة أكبر على امرئ أن يرى عبداً مكفوف البصر في الدنيا قد فتح الله له عن بصره يوم القيامة، وقد عَمِيَ هو؟!
إنَّ تلك الحسرة لعظيمة عظيمة!
أي حسرة أكبر على امرئ علَّم علماً، ثم ضيعه ولم يعمل به فشقي به، وعمل به من تعلَّمه منه فنجيَ به؟!
أي حسرة أعظم من حسرات المنافقين الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.
يوم تُبلى السرائر، وينكشف المخفي في الضمائر، ويعرضون لا يخفى على الله منهم خافية، ثم يكون المأوى، الدرك الأسفل من النار، ثم لا يجدون لهم نصيراً.
أما الحسرة الكبرى فهي عندما يرى أهل النار أهل الجنة وقد فازوا برضوان الله والنعيم المقيم، وهم يقولون: {قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [الأعراف:٤٤].
وحسرة أعظم حين ينادي أهلُ النار أهلَ الجنة: {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِما رَزَقَكُمْ اللهُ قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف:٥٠].
وحسرة أَجَلُّ حين ينادي أهل النار مالكاً: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنكُم ماكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف:٧٧ - ٧٨].
ومنتهى الحسرة وقصاراها حين ينادون ربهم عز وجل وتبارك وتقدس: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:١٠٧] فيجيبهم بعد مدة: {اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:١٠٨] فلا تسل لا ينبسون ببنت شفة، وإنما هو الشهيق والزفير.
طال الزفير فلم يرحم تضرعهم هيهات لا رقَّة تغني ولا جزع
فيا حسرة المقصرين! ويا خجلة العاصين! لذَّات تمر، وتَبِعات تبقى، تريدون نيل الشهوات والحصول في الآخرة على الدرجات!
جمع الاضداد غير ممكن يا تُرَى.
هواك نجد وهواه الشام وذا وذا يا خيُّ لا يلتام
فدع الذي يفنى لما هو باقِ، واحذر زلل قدمك، وخفْ فلول ندمك، واغتنم شبابك قبل هِرَمِك، واقبل نصحي ولا تخاطر بدمك، ثم تتحسر حين لا ينفع ندمك.
إذا ما نهاك امرؤ ناصح عن الفاحشات انزجر وانتهي
إن دنياً يا أخي من بعدها ظلمة القبر وصوت النائح
لا تساوي حبة من خردل أو تساوي ريشة من جانح
لا تسل عن قيمة الربح وسل عن أساليب الفريق الرابح
جعلنا الله وإياكم من الرابحين السعداء، يوم يخسر المبطلون الأشقياء، ويتحسر المتحسرون التُّعساء، إن ربي وليُّ النعماء، وكاشف الضُّر والبلاء.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.