[منزلة بر الوالدين في الإسلام]
لقد عد الإسلام بر الوالدين من أعظم الحقوق، يقول صلى الله عليه وسلم وهو يسأل عن الأعمال الصالحة أيها أزكى وأعظم، فقال: {الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله} فلا إله إلا الله ما أعظم حقوق الوالدين!
العقوق مأساة انتشرت في البيوت وأصبحت وبالاً على الآباء والأمهات، في بعض الآثار: أنه في آخر الزمان يود المؤمن أن يربي كلباً ولا يربي ولداً.
وأرجو الله ألا يكون هذا الزمان، وجد هذا ورأينا عيون الآباء الذين طعنوا في السن وأصابتهم الشيخوخة وهم يتباكون ويتضرعون ويتوجعون من هذه الذرية الظالمة العاصية، فهل من عودة يا شباب الإسلام إلى الله؟! هل من لطف وحنان وخفض جناح؟! وهل من بر للآباء والأمهات؟! يأتي رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: {يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك}.
الأم -يا عباد الله- لها ثلاثة أرباع الحق فهي التي تعبت وحملت وأرضعت وغسلت وألحفت وأدفأت:
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي لها من جواها أنة وزفير
وفي الوضع لو تدري عليها مشقة فمن غضض منها الفؤاد يطير
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها وما حجرها إلا لديك سرير
وتفديك مما تشتكيه بنفسها ومن ثديها شرب لديك تمير
وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها حناناً وإشفاقاً وأنت صغير
فضيعتها لما أسنت جهالة وطال عليك الأمر وهو قصير
فآه لذي عقل ويتبع الهوى وآه لأعمى القلب وهو بصير
فدونك فارغب في عميم دعائها فأنت لما تدعو إليه فقير
ذكر أن أبا الأسود الدؤلي تخاصم مع امرأته إلى قاضٍ في غلامهما أيهما أحق بحضانته؟ فقالت المرأة: أنا أحق به، حملته مشقة، وحملته تسعة أشهر، ثم وضعته، ثم أرضعته إلى أن ترعرع بين أحضاني وعلى حجري كما ترى أيها القاضي، فقال أبو الأسود: أيها القاضي! حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، فإن كان لها بعض الحق فيه فلي الحق كله أو جله، فقال القاضي: أجيبي أيتها المرأة، قالت: لئن حمله خفة فقد حملته ثقلاً، ولئن وضعه شهوة فقد وضعته كرها، فنظر القاضي إلى أبي الأسود وقال له: ادفع إلى المرأة غلامها ودعنا من سجعك.
وهاهو رجل كان في بيت الله الحرام يطوف بالكعبة المشرفة وأمه على كتفيه، قد أركبها على ظهره من بلده حتى وصل مكة وهو يطوف بها، فشاهد ابن عمر فقال له: يـ ابن عمر! أتراني أوفيتها حقها؟ قال ابن عمر: [[والله ما أوفيتها طلقة من طلقات ولادتها]] إن هذا لا يساوي طلقة من طلقات الولادة التي كانت تعاني منها في تلك اللحظات العصيبة، لا إله إلا الله كيف يعق الوالدان؟ حق الوالد عظيم أيما عظم!
في الصحيح عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: أتى رجل أبا الدرداء رضي الله عنه فقال له: إني تزوجت ابنة عمي وهي أحب الناس إليَّ، أنا أحبها وأمي تكرهها وأمرتني بفراقها وطلاقها، فقال له أبو الدرداء رضي الله عنه وأرضاه: لا آمرك بفراقها ولا آمرك بإمساكها، إنما أخبرك ما سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، لقد سمعته يقول: {الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فضيع ذلك الباب وإن شئت فاحفظه عليك} فلا إله إلا الله كم من شاب ضيع أوسط أبواب الجنة بعقوقه! فمن ضيعه فليعد وليبادر قبل غلق الباب وقبل قول: رب ارجعون.