[موقف المنافقين من غزوة تبوك]
تساقط المنافقون: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} [المائدة:٤١].
هاهو أحد المنافقين يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم له: هل لك في جلاد بني الأصفر؟ -أي: الروم- فيقول: يا رسول الله!! ائذن لي ولا تفتني؛ فوالله! لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجباً بالنساء منِّي، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر: (فر من الموت وفي الموت وقع).
أعرض عنه صلى الله عليه وسلم وعذَره، لكن الذي يعلم خائنة الأعين، والذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء فَضَحَهُ وأذلَّه وأنزل فيه قرآناً يُتلى: {ومِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لي ولاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:٤٩].
ويتخلف أناس آخرون عن الخروج، لا رغبةً بأنفسهم عن نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن غلبتهم نفوسهم لصعوبة الظرف واشتداد الحر، قد آن أوان الرطب وظلال الأشجار، فاعتذروا بعد عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَبِل عُذْرَهم، وتاب الله عليهم وأرجأ توبة ثلاثة منهم امتحاناً لهم فَمُحِصُوا حتى: {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وظَنُّوا أَلاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّه تَّوَّابُ رَّحِيمُ} [التوبة:١١٨].
ويأتي سبعة رجال مؤمنون صادقون، لكنهم فقراء لم يجدوا زاداً ولا راحلة، وعز عليهم التخلف، نياتهم صادقة لكن ليس هناك عدة، فأتَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: يا رسول الله! لا زاد ولا راحلة، ويبحث لهم صلى الله عليه وسلم عن زاد وراحلة فلا يجد ما يحملهم عليه فيرجعوا: وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون يالله! ظلّ السيف للمسلم مثل ظل حديقة خضراء، تنبت حولها الأزهار.
وتدنو ثمار المدينة ويشتد الحر، ويبتلي الله من يشاء من عباده: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:٢] ويخرج صلى الله عليه وسلم ويستخلف على أهل بيته علياً رضي الله عنه، ويخيم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثنية الوداع ومعه ثلاثون ألفاً.
ويأتي المنافقون الذين لا يتركون دسائسهم وإرجافهم على مر الأيام يلاحقون أهل الخير والاستقامة، يلمزون ويهمزون ويتندرون ويسخرون -سخر الله منهم- ويستهزئون -والله يستهزئ بهم- يأتون إلى علي رضي الله عنه ويقولون: ما خلفك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا استثقالاً لك؟ يريد التخفف منك، وعلي بَشَرٌ، تأثَّر لذلك، ولبس دِرعه، وشَهَرَ سيفه يريد الجهاد في سبيل الله، ويلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعتنق رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: {يا رسول الله! زَعَم الناس أنك استثقلتني فخلفتني في النساء والصبيان؟ فتهراق دموعه صلى الله عليه وسلم ويقول: كذبوا يا عليُّ! فاخلفني في أهلك وأهلي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟! إلا أنه لا نبي بعدي} فيقول بلسان الحال: بلى رضيت، بلى رضيت، وعاد علي رضي الله عنه.
يَدعُو جَهاراً لا إلهَ سِوى الذِي خَلَقَ الوُجُودَ وقَدَّرَ الأقْدَارَا
وقبل مسير الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم تقوم فرقة للصَدِّ عن سبيل الله، تُثبِّط الناس بعد أن اجتمعوا في بيت أحدها، تقول- وهي تزهد في الجهاد-: لا تنفروا في الحَرِّ، تشكك في الحق وترجف برسول الحق، ويتولى الحق سبحانه الرد: {وقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوكَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة:٨١] هم في مؤامرة الصَدِّ عن سبيل الله، ويأمر صلى الله عليه وسلم بإحراق البيوت عليهم، ويُنَفِّذُ ذلك الأمر طلحة رضي الله عنه؛ فيقتحمون الأسوار خوفاً من نار الدنيا، فتنكسر رِجل أحدهم، ويفِرُّ الباقون:
ويَعِزُّ جُنْدَ الحق رغم أنوفهم ويخيب كل منافق خَوَّان