فإذا أنت ترى أحدهم وهو عقبة بن نافع على أطراف غابة القيروان ينادي ويخاطب السباع والهوام ويقول: نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ جئنا لننشر دين الله في الأرض فأخلي لنا المكان، فتخرج السباع والهوام حاملة أولادها على ظهورها؛ لتخلي المكان لجند الله؛ كرامة من الله، أطاعوا الله فطوع الله لهم كل شيء؛ ليبني مدينة القيروان في تلك الغابة، لا ليركن إليها ويجلس فيها ويتنعم بها، بل ينطلق بعد ذلك فاتحاً في الأرض حتى يقف بقوائم فرسه في أطراف المحيط الأطلسي ليقول كلمته الخالدة، وقوائم فرسه قد ابتلت بمياه المحيط الأطلسي:[[والله! لو كنت أعلم أن وراء هذا البحر أرضاً وأقواماً لخضته في سبيل الله؛ لأنشر دين الله]].
وإذا بـ قتيبة في الجانب الآخر في شرق الكرة الأرضية -ذاك في غربها وهذا في شرقها- يفتح المدن والقلوب، حتى يقف على أطراف مملكة الصين ويقسم بالله ليطأن بأقدام فرسه تلك المملكة، ويسمع ملكها فيهلع ويخاف ويجزع، ويعلم أن هؤلاء إذا قالوا فعلوا، فيرسل صِحَافاً من ذهب مملوءة بتربة أرض الصين؛ ليبرَّ قسم قتيبة، وتطأ خيل قتيبة تلك التربة، وتكون الصحاف مقدمة الجزية، وأربعة من أبنائه يوضع عليهم وسام المسلمين، فيا لله!
مهلاً حماةَ الضَيْمِ إنَّ لِلَيلِنا فجراً سيطْوِي الضَيم في أطمارهِ
هارون الرشيد خليفة المسلمين يخاطب السحابة وهو على كرسيه، ويقول: أمطري أنَّى شئت؛ فسوف يأتيني خراجك.
صارت الكرة الأرضية ما بين مسلم حقاً وكافر يدفعُ الجزيةَ عنْ يدٍ وهو صَاغِرٌ.
للهدى كانوا أذلاء وللعدلِ والمَعروفِ كانُوا خُلفاءْ
لو دعاهم صارخٌ لانتفضوا مِن بطونِ الأرضِ يرمونَ السماءْ
تركُوا المنزلَ معموراً لنا ثُمَّ جِئنا فتركناهُ خَلاءْ
ضربُوا العِزَّ لنا أخبيةً فنقضنَاها حِبَاءً فخِباءْ
ومع هذا:
يا أمتي إنْ طالَ ليلُك عابثاً فتَرَقَبي بسمات فجرٍ في الظَّلام جَديدِ