[الحث على دوام ذكر الله]
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
ولا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، وقيُّوم السماوات والأرضين، ومالك يوم الدين، الذي لا فوز إلا في طاعته، ولا عِزَّ إلا في التذلل لعظمته، ولا غنى إلا في الافتقار لرحمته.
لا هدى إلا في الاستهداء بنوره، ولا حياة إلا في رضاه، ولا نعيم إلا في قُرْبِه، ولا صلاح ولا فلاح إلا في الإخلاص له وتوحيد حبه.
إذا أطيع شَكَر، وإذا عُصِيَ تاب وغَفَر، وإذا دُعِي أجاب، وإذا عوُمِل أثاب.
لا إله إلا هو سبحانه وبحمده! لا يُحصي عدد نعمته العادُّون، ولا يؤدِّي حق شكره الحامدون، ولا يَبلُغ مدى عظمته الواصفون: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة:١١٧].
اللهم لك الحمد مِلء السماوات والأرض؛ فكل الحمد لك.
اللهم لك الشكر على نعم لا نحصيها؛ فكل الشكر لك.
اللهم لك المتوبة والتذلل والخضوع فلا معبود غيرك.
الحمد لله شَهِدت له بالربوبية جميع مخلوقاته، وأقرت له بالألوهية جميع مصنوعاته، سبحانه وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.
ولا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته كما أنه لا شريك له في ربوبيته، ولا شبيه له في ذاته ولا أفعاله ولا صفاته.
سبحانه سبحت له السماوات وأملاكها، والنجوم وأفلاكها، والأرض وسكانها، والبحار وحيتانها، والنجوم والجبال والشجر والدواب والآكام والرمال، وكل رطب ويابس، وكل حي وميت: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [الإسراء:٤٤].
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة قامت بها الأرض والسماوات، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات، وبها أرسل الله تعالى رسله، وأنزل كتبه، وشرَّع شرائعه؛ لأجلها نُصِبت الموازين، ووضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وانقسم الخلائق إلى مؤمنين وكفار، وأبرار وفجَّار، عنها وعن حقوقها يكون السؤال والجواب، وعليها يقع الثواب والعقاب، عليها نصبت القِبْلة، وعليها أسِّست الملة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وهي حق الله على جميع العباد.
إنها كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، لن تزول قدما عبد بين يدي الله حتى يسأل: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟
فلا إله إلا الله، شهادة حق وصدق أتولى بها الله ورسوله والذين آمنوا، وأتبرأ بها من الطواغيت والأنداد المعبودين ظلماً وزوراً من دون الله.
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أشرف من وطئ الحصى بنعله، أرسله الله رحمة للعالمين، وإماماً للمتقين، وحجَّة على الخلائق أجمعين.
بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمَّة، وجاهد في الله حق الجهاد، وقمع أهل الزيغ والفساد، فتح الله به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً.
صلوات الله وسلامه عليه، وعلى أهل بيته الطيبين، وأصحابه المنتخبين، وخلفائه الراشدين، وأزواجه الطاهرات؛ أمهات المؤمنين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أحبتي في الله: أسعد اللحظات في حياة العبد يوم يطرق مسامعه ذكر الله، يوم يطمئن قلبه بقول الله، وقول رسول الله صلى وسلم عليه الله: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨].
إن من نعمة الله علينا تهيئة مثل هذا المخيم لنجتمع فيه على الخير والبر والذكر والتناصح.
فأسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يجزيَ القائمين والمساهمين عليه وفيه أفضل ما يجزي عباده الصالحين، وأن يرزقنا شكر نعمته، وقد تأذن لمن شكر بالمزيد، وحيا الله هذه الوجوه، حيا الله وجوهاً أقبلت على الله فجعلت حياتها كلها لله.
وهنيئاً لها من قلوب تَأَرِز إلى ذكر الله، فتسكن وتسعد بإذن الله.
هنيئاً لأسماع امتلأت بذكر الله، فتلذذت بقول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هنيئاً لأبصار تنعَّمَت بمجالسة من يذكر الله.
هنيئاً لها من أقدام جعلت خطاها إلى ذكر الله.
هنيئاً لكم يوم يرجى لكم أن تنصرفوا مغفوراً لكم، قد بُدِّلت سيئاتكم حسنات بإذن ربكم.
هنيئاً لكم تُذكرون في ملأ خير من ملئكم، ملائكةٌ تحفُّ، ورحمة تغشى، وسكينة تتنزل.
فيا حسرة وندامة وخزي من لم تنعم عينه وجوارحه بذكر الله!
لَوْ يَعلَمُ العَبدُ مَا فِي الذِّكْرِ مِنْ شَرَفٍ أمْضَى الحياةَ بتسبيحٍ وتَهْليلِ
لَوْ يَعْلمُ النَّاسُ مَا في الشُّكْرِ مِنْ شَرَفٍ لَمْ يُلْهِهِم عَنْهُ تَجْمِيعُ الدَّنانيرِ
ولم يُبالُوا بأوراقٍ ولا ذهبٍ ولَو تجَمَّع آلافُ القناطيرِ
فأكْثِرْ ذِكرهُ في الأرضِ دأباً لتُذْكَرَ في السَّماءِ إذا ذَكَرتا
ونادِ إذا سَجدتَ لَهُ اعْترافاً بما ناداهُ ذو النون بنُ متَّى
وسَلْ منْ رَبِّك التوفِيقَ فيها وأخلصْ في السُّؤال إذا سَألتا
ولازم بابه قرعاً عساهُ سيُفتحُ بابه لك إن قَرعتا
ونفسَك ذُمَّ لا تَذْمُمْ سِواها بعيبٍ فهْيَ أجدرُ منْ ذممْتا
فلو بكت الدما عيناك خوفاً لذنبكَ لَمْ أقُلْ لَكَ قَدْ أَمِنْتا
وَمَنْ لَكَ بالأمانِ وأنتَ عبدٌ أُمِرْتَ فَمَا ائْتُمِرْتَ ولا أََطَعْتا
ثَقُلتَ منَ الذُّنوبِ ولستَ تَخْشَى بجهلِكَ أن تَخِفَّ إذا وُزِنْتا
فلا تضحكْ مع السفهاءِ لهواً فإنك سوفَ تَبْكِي إنْ ضَحِكْتا
ولا تَقُلِ الصِّبَا فيه مَجَالٌ وفكِّر كَمْ صَبِيٍّ قَدْ دَفَنْتا
تَفتُّ فؤادَك الأيامُ فتّا وتَنْحِتُ جِسمكَ السَّاعاتُ نَحْتا
وتدعوكَ المنونُ دعاءَ صدقٍ ألا يا صَاحِ أنتَ أُرِيدُ أنتا
أحبتي في الله: أوصيكم جميعاً ونفسي بتقوى الله، وأن نقدِّم لأنفسنا أعمالاً تبيض وجوهنا يوم نلقى الله: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩] {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} [النساء:٤٢].
يقول أبو الدرداء رضي الله عنه وأرضاه: [[ما تصدق متصدق بأفضل من موعظة يعظ بها الرجل قوماً، فيقومون وقد نفعهم الله عز وجل بها]].
{والكلمة الطيبة صدقة} كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وللكلمة الطيبة ملامح، أرجو الله أن تتوفر في هذه الكلمة تلك الملامح؛ لتتغلغل إلى الجوانح، فتظهر على الجوارح.
فالكلمة الطيبة مِعْطَاءٌ جميلة رقيقة لا تؤذي المشاعر، ولا تخدش النفوس.
جميلة اللفظ، جميلة المعنى، رقيقة المبنى، رقيقة المعنى، يشتاق لها السامع فيطرب ويخشى ويسعى.
طيبة الثمر، نتاجها مفيد، غايتها بنَّاءة، منفعتها واضحة، أصلها ثابت مستمد من النبع الصافي؛ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتمتد شامخة بفرعها إلى السماء؛ لأنها نقية، وصادرة -بإذن الله- عن صدق نية، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، يسمعها السامع فينتفع بها، وينقلها لغيره فينتفع، حتى إنه لينتفع بها الفئام من الناس، ويمتد النفع إلى ما شاء الله، وصاحبها لا يعلم مداها؛ فتبقى ذخراً له بعد الممات، ورصيداً له في الحياة.
كلمة من رضوان الله يكتب الله بها الرضوان للعبد إلى أن يلقى الله.
أسأل الله أن يجعل هذه الكلمات من الباقيات الصالحات، وأن ينفعني بها ومن رام الانتفاع بها من إخواني، وأن يجعلها من الأعمال التي لا ينقطع عني نفعها بعد أن أدرج في أكفاني، وأن يجعلها للجميع ذخراً في يوم الحسرات على ضياع الأوقات في غير الطاعات، يوم يوقف العبد بشحمه ولحمه ودمه وعصبه وشعره وأظفاره يعرض على الله، لا يخفى منه خافٍ، الجسد مكشوف، والضمير مكشوف، والقلب مكشوف، والصحيفة مكشوفة، والتاريخ مكشوف: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:١٨].
أما بعد: