[قصة كعب درس من دروس الصدق]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله وكونوا مع الصادقين، وعودوا معي -والعود أحمد- إلى كعب بن مالك صاحب القصة رضي الله عنه وأرضاه، فإن الأمر لم يقف عند بشارته بالتوبة وتهنئته بالقبول، إنما جلس كعب بين يدَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم معلناً التأكيد لهذه التوبة والتمسك بها، قائماً مقام الذاكرين الشاكرين التائبين المخبتين، قائلاً: {يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله ورسوله.
فقال عليه الصلاة والسلام: أمسك عليك بعض مالك؛ فهو خير لك}.
ثم يعلن أخرى رضي الله عنه التمسك بالصدق سلوكاً ثابتاً في مستقبل حياته إذ بالصدق نجا، فيقول: {يا رسول الله! إن الله إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدِّث إلا صدقاً ما بقيت} حاله كحال الآخر الذي يقول: والله لو نادى منادٍ من السماء أن الكذب حلال ما كذبت.
يقول: فو الله ما علمت أحداً من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني الله به، والله ما تعمَّدْتُ كذبة مذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي، والله ما أنعم الله عليَّ نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
لم يا كعب؟
قال: ألا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوا، فإن الله قال للذين كذبوا شرَّ ما قاله لأحد، يوم قال سبحانه: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:٩٥ - ٩٦].
عباد الله: الصدق فضيلة وطمأنينة وصفة من صفات المؤمنين فعليكم به، وليكن قدوتكم كعباً وصحبه ومن اقتدى به؛ فليس بينكم وبينهم حاجب.
إذا أعجبتك خصال امرئ فكنه يكن منك ما يعجبك
فليس على الجود والمكرمات إذا جئتها حاجب يحجبك
تحرَّوْا الصدق، وإن رأيتم الهلكة فيه؛ فإن النجاة فيه، وإياكم والكذب، وإن رأيتم النجاة فيه؛ فإن الهلكة فيه وعظيم الفتنة به، وكم تركت الفتن من قلب مقلب وهوى مغلب، وكم سار في طريقها من كادح، فكثر الهاجي وقل المادح.
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى فكن الحر وخذها بزمام
واصدق حديثك إن المرء يتبعه ما كان يبني إذا ما نعشه حملا
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم اجعلنا من الصادقين، اللهم اجعلنا من الصادقين، اللهم اجعلنا من الصادقين الصابرين الشاكرين.