[اغتيال عمر في صلاة الفجر]
في صباح يوم من أيام -أبعدها الله- يصلي بالناس صلاة الفجر، ويكبر ويبدأ في القراءة يبكي، وبينما هو كذلك إذ تقدمت إليه يد من أيدي الأعداء التي لا تتسلل إلا في الظلام، يد آثمة، يد مجوسية ما سجدت لله سجدة، ولا عرفت الله، لتمزق الأديم الطاهر، فيهوي صريعًا والدماء تثعب منه، فما راع الناس إلا تكبير عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- إذ أخذه عمر -رضي الله عنه- بيده فقدمه، فصلوا صلاة الفجر يومئذ صلاة خفيفة، وأما ذلك العلج فما كان منه إلا أن قتل نفسه.
وحُمِل عمر إلى بيته وهو في دمه، لم يصل صلاة الفجر، فقيل: يا أمير المؤمنين! الصلاة الصلاة، قال: ها، لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، ثم وثب ليقوم، فانبعث جرحه دمًا، فقال: هاتوا لي عمامة، فعصب بها جرحه ثم صلَّى، لم يمنعه ما هو فيه من أداء الفريضة -فلا نامت أعين من يترك الصلاة-.
ولما سلَّم من صلاته قال: أيها الناس! هل كان هذا على ملأ منكم؛ أي: كان طعنه على ملأ منكم؟ قال علي: والله! لا أدري من الطاعن من خلق الله، أنفسنا تفدي نفسك، ودماؤنا تفدي دمك، لوددنا أن الله زاد في عمرك من أعمارنا.
ثم علم أن طاعنه عدو الله أبو لؤلؤة المجوسي؛ غلام المغيرة، فقال عمر: قاتله الله! لقد أمرت به معروفًا، الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها قط.
كان على فخذ ابنه عبد الله فقال: يا بني! ضع خدي على التراب؛ علَّ الله أن يرحمني، فلم يفعل عبد الله فأعادها قائلاً: ضع خدي على التراب لا أمَّ لك يا عبد الله! يقول عبد الله: فوضعت خده إلى الأرض حتى نظرت إلى أطراف شعر لحيته خارجة من بين أضغاث التراب، وبكى حتى التصق الطين بعينيه، وأصغيت إليه لأسمع ما يقول، فإذا به يقول: ويل عمر إن لم يتجاوز الله عنه، ويل عمر إن لم يتجاوز الله عنه.
ويدخل الصحابة يعودونه ومن بينهم علي يقول: [[هنيئًا لك الشهادة؛ لطالما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، وذهبت أنا وأبو بكر وعمر، فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك، فبكى وقال: ليتني أنجو كفافًا لا لي ولا عليّ]] أو كما قال.
ثم قال لابنه: انظر كم عليّ من الدين؟ قال: فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفًا، فقال: يا عبد الله! إن وَفَى لها مال آل عمر فأدِّها من أموالهم، وإن لم تفِ فاسأل فيها بني عدي، وإن لم تفِ فاسأل فيها قريشًا، ولا تعدهم إلى غيرهم.
يا لله! خليفة المسلمين ميزانية الأمة تحت يديه ويموت ودينه يربو على ثمانين ألفًا!
إن قدوته رسول الله صلى الله عليه وسلم من لو أراد أن تجري الجبال له ذهبًا لكان، مات ودرعه مرهونة عند يهودي في أصوع من شعير، فلا ريب ولا غرابة.
أولئك أقوام ما إن ذكرتهم جرت عَبَرات الدمع حَرَّى تصبَّبُ
هاهو عمر على فراش الموت في حالة ارتحال من دار الفناء إلى دار البقاء، ولا زال يعطي الدروس للأمة.
يدخل عليه مسبل من الشباب فيعوده ويدعو له ويخرج، فيقول: أعيدوه عليَّ، فيرجع الشاب فيقول: [[ارفع إزارك فهو أتقى لربك، وأنقى وأبقى لثوبك]].
رضي الله عن عمر، لم يشغله ما هو فيه عن أن يأمر بمعروف، أو ينهى عن منكر رضي الله عنه وأرضاه.
ويختم حياته بأهم مالديه وهو أن يدفن بجوار قدوته الحبيب الكريم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار أخيه أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.