للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدعوة قرينة العلم والعمل]

أما إذ قد عَلِمْت وعملت؛ فإنَّ من مُقْتضى العمل أن تدعو غيرك إلى الحق الذي عرفته بالحُجَة والبرهان وعلى بصيرة، وهدفك إخراج نفسك ومن تدعوهم من الظلمات إلى النور، من الانحراف إلى الاستقامة التي تنال رضا الله بها في الدنيا والآخرة.

إن الحاجة إلى الدعوة ماسة؛ لأن العقول لا تستطيع وحدها إدراك مصالحها التي تَكْفل لها السعادة في الدنيا والآخرة؛ لأنها لا تُهْدى وحدها إلى تمييز الخير من الشر، فكثيرًا ما يبدو لها الشر في لباس الخير فتقع فيه، وكثيرًا ما يظهر لها الخير في صورة الشر فتعرض عنه: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢١٦].

فمهما توسعت آفاق الإنسان ومداركه ومعارفه؛ فإنه يبقى قاصرًا محدودًا، ومن ثَمَّ كان لابد من الدعوة على أيدي الرسل وأتباعهم، فإذا اتَّضح الهدف، سِرتَ في هذه الحياة على هُدًى، وعندها بادِر بعمل دءوب في طموح وجدية، وأقدم بقوة تستشعر قول الله تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:١٢].

وقوله: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ} [البقرة:٩٣].

إذا كان ما تنويه فعلاً مضارعاً ألا فاجعلنه ماضياً بالجوازم

في ثباتٍ ومسارعةٍ: {اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه:٤٢] {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خاشِعِينَ} [الأنبياء:٩٠].

في تدرجٍ واعْتِدَال وأَنَاة ومُداومة: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:٦ - ٧]

في شجاعة وعدم تَهَيُّبٍ وتردُّد.

ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر

في بصيرة وفرقان بإتقان: {أدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:١٠٨].

في استشارة حازم: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران:١٥٩].

في عزيمةٍ وتصميمٍ مع تَوَكُلٍ دون تسفيه رأي أو إنقاص قدر: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} [آل عمران:١٥٩].

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمةٍ فإن فساد الرأيِ أَن تترددا

إذا كنت ذا عزم فأَنفذه عاجلا فإن فساد العزم أن يتقيدا

إذا هَمَمْت فبادر، وإذا عزمت فثَابِر، واعلم أنه لا يُدرِك المفاخر من رضي بالصف الآخر.

ما كل من طلب المعالِي نافذا فيها ولا كل الرجال فحولا

وعلى الطريق نضع لك حادييْن مرغبيْن حافزيْن: أحدهما قول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣].

وثانيها: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح مسلم -: {من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا}.

إن هدى الرحمن شخصاً واحداً بِك خير لك من حُمْر الذرى

وهو خير لك عندَ الله مما بدا للشمس أوقد نورا

{لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمْرِ النِّعم}

فإن لم ينفع الحاديان، فعلى الطريق وَعِيدان مُرَهِّبان مُحَذِّران علهما أن يثيرا في نَفْسك الإحساس بخطر الفُتُور والتهاون والكتمان؛ أحدهما: ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: [[لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم شيئًا: {إِنَّ الذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:١٥٩ - ١٦٠]]].

وثانيهما: ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من كتم علمًا يُنتفع به جاء يوم القيامة ملجمًا بلجام من نار}.

فهل يجوز سكوت أو يستساغ نمير

والخطب خطب عظيم والأمر أمر خطير

فإن لم يحرك فيك الوَعد ولا الوعيد، ولا التَّرغيبُ ولا التَّرهيب -إذ تبلد الإحساس- فلا مساس، فقف على أخبار أصحاب الأهداف علَّك أن تتشبه بهم، فيثور فيك الحماس على أساس.