تأمل الهواء: تجده آية من آيات الله الباهرة، وقد حبسه الله بين السماء والأرض يدرك ولا يرى، جعله الله ملكاً للجميع ولو أمكن الإنسان التسلط عليه لباعه واشتراه وتقاتل مع غيره عليه كما فعل في أكثر الأشياء التي سخرها المولى له وجعلها أمانة بين يديه، والله بحكمته جعل الهواء يجري بين السماء والأرض، الطير فيه محلقة سابحة كما تسبح حيوانات البحر في مائه، ويضطرب عند هيجانه كما تضطرب أمواج البحر عند هيجانها، يحركه الله بأمره فيجعله رياحاً رخاءً وبشرى بين يدي رحمته فبين مبشرات ولواقح، وذاريات، ومرسلات، ويحركه فيجعله عذاباً عاصفاً قاصفاً في البحر وعقيماً صرصراً في البر:{وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[الجاثية:٥].
تتوزع على سطح الأرض تحت نظام محكم فتلقح الأزهار والسحاب؛ فتبارك من جعلها سائقة للسحاب تذروه إلى حيث شاء الله، فهل تأملت يوماً من الأيام سحاباً مظلماً قد اجتمع في جوٍ صافٍ لا كدر فيه، وهو لينٌ رخو حامل للماء الثقيل بين السماء والأرض، حتى إذا أذن له خالقه أرسل الريح تلقحه وتسوقه فينزل قطرة قطرة، لا تختلط قطرة بأخرى، ولا تدرك قطرة صاحبتها فتمتزج بها، بل كل واحدة في طريق مرسوم لها حتى تصيب الأرض التي عينت لها لا تتعداها إلى غيرها، لا قطرة إلا وينزل نحوها ملك إلى الآكام والقيعان، هل تأملت ذلك؟ أحسب أنك تقول: نعم، ومعها: لا إله إلا الله!