إن حمل الدعوة إلى الناس وجعلهم يؤمنون بها ويثقون ويتأثرون عملية صعبة شاقة تحتاج إلى صبر وثبات، وإن المضي في طريق الدعوة ليس بأمر هيِّن، ولا طريق ميسور؛ بل لابد من عزم وقوة وصبر وثبات، لا يُؤْتَاه إلا من نذر نفسه لله غير مبالٍ بما سواه:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَم الصَّابِرِينَ}[آل عمران:١٤٢].
والصبر يوجد إن باء له كُسِرت لكنه بسكون الباء موضوع
والله عز وجل قد وجَّه نبيه صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية إلى الصبر والجلد وقوة التحمل، فقال:{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا}[المزمل:١٠] وقال: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُؤْقِنُونَ}[الروم:٦٠].
الصبر تفاؤل دائم، حتى لو ضربت الجاهلية أطناب الأرض؛ فلا يسوغ بحال الانسحاب من الميدان؛ إذ يخلو الجو للشيطان، يَكِر الجراد على الحَرث فيلتَهمه، وقد تُغِير اللصوص عليه فينتهبونه؛ فلابد من صبر وصمود وثبات حتى ينبت ويثمر العود.
ولست بخالعٍ درعي وسيفي إلى أن يخلع الليل النهارا
كل لذة منقطعة عند أول غمسة في جهنم، وكل بؤس وشقاء ينقطع عند أول غمسة في الجنة، وللباطل جولة ثم يذهب هباءً، والحق له صولة وهو أنفع، وله البقاء.
فإذا ادلهم الخطب، واشتد الظلام، فارتقب بزوغ الفجر، وتبين الخيط الأبيض من الأسود من الفجر، ثم اصبر وصابر؛ فإن العاقبة للمتقين، وخاب المُبْطِلون، وبشِّر الصابرين، واصبر على ما يقولون.
لا يفزعنك هول خطب دامس فلعل في طياته ما يسعد
لو لم يمد الليل جنح ظلامه في الخافقين لما أضاء الفرقد