وهاهو الأسود العنسي -طاغية اليمن - الكافر الساحر، القبيح الظالم، يجتمع حوله اللصوص، وقطاع الطرق؛ ليكونوا فرقة للصد عن سبيل الله، ليذبحوا الدعاة إلى الله، ذبح من المسلمين من ذبح، وحرق من حرق، وطرد من طرد، وفر الناس بدينهم، وأخذ يهتك الأعراض، ويعذب الدعاة، ومن بين هؤلاء الدعاة المخلصين أبو مسلم الخولاني -عليه رحمة الله ورضوانه- عذبه فثبت كثبات سحرة فرعون، وحاول أن يثنيه عن دينه، وعن دعوته، وأمره ونهيه، فقال: كلا والذي فطرني لن أقف: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[طه:٧٢].
جمع الأسود الناس، وقال: أتعتقدون في داعيتكم أنه على حق؟ إن كان على حق، فسينجيه الحق، وإن كان على باطل فسترون، ثم أمر بالنار فأضرمت -نار هائلة تمر الطيور من فوقها فتسقط لعِظَمِ ألسنة لهب هذه النار- ثم ربط يديْ أبي مسلم ورجليه بالقيد، ووضعوه في مقلاع، ثم نسفوه بالمقلاع ليهوي في خضم لهيب النار ولظاها وجمرها، وهو يقول: حسبي الله ونعم الوكيل.
كاد الموحدون أن تنخلع قلوبهم، وقف الناس ينظرون، وبدأت النار تخبو وتضعف، وإذ بـ أبي مسلم يخرج من طرفها الأخر ماشياً على قدميه، قد فكت النار وثاقه، عليه ثيابه لم تحترق، يدوس بقدميه الحافيتين الجمر ويتبسم وينظر إلى الناس.
ذهل الطاغية، وخاف أن يسلم من لم يسلم، فهددهم وتوعدهم؛ ليصدهم عن سبيل الله، أما أبو مسلم فخرج من النار، وواصل مشيَه فاراً بدينه، والمؤمنون يتبعونه، حتى وصل إلى المدينة -في عهد أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه ودخل المسجد، وصلى ركعتين.
وسمع به عمر -رضي الله عنه- فجاء يغذ السير إليه، فلما رآه قال:[[أأنت أبو مسلم؟
قال: نعم.
قال: أأنت الذي قذفت في النار، وخرجت منها سليماً؟
قال: نعم.
فاعتنقه عمر يبكي، ويقول: الحمد لله الذي جعل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم مثل إبراهيم الخليل عليه السلام]].
ألا فادعوا الله أيها المسلمون، ومروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، واعتصموا بحبل الله، فوالله لو كادتكم السماوات والأرض ليجعلن الله لكم منها فرجاً ومخرجاً.
فاشدد يديْك بحبلِ الِله معتصما فإنه الركنُ إن خانتك أركانُ