أيها الأحبة: إن هذه الصورة لتذكرنا بصورة أخرى مضيئة في حياة عمر - رضي الله عنه وأرضاه- يذكر الأوزاعي أن عمر خرج في سواد الليل، فرآه طلحة فتبعه، فذهب عمر حتى دخل بيتًا، ثم خرج منه وطلحة يراقبه، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة.
فقال لها: ما بال هذا الرجل الذي يأتيك؟ قالت: إنه يتعهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى، فجزاه الله عني خيرًا.
فيقول طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة، أعثرات عمر تتتبع؟
يا لله! هل يفعل الواحد منا مع أهله ما يفعله عمر مع رعيته؟
لا.
إنه الإيمان الذي وقر في القلب وصدقه العمل، فلا والله! لا تنساه الأيامى والثكالى واليتامى مادام في الأرض أيْمٌ أو ثكلى أو يتيم، ولا والله ما تنساه البطون الجائعة والأكباد الظامئة ما دام في الأرض بطن جائع أو كبد ظمأى.
فمن يباري أبا حفصٍ وسيرتَه ومن يحاول للفاروقِ تشبيها
ومن رآه أمام القدر منبطحًا والنارُ تأخذ منه وهو يُذكيها
وقد تخلل في أثناء لحيته منها الدخان وغاب فُوهُ فِي فِيهَا
رأى هناك أمير المؤمنين على حالٍ تروع لعَمْرِ الله رائِيْهَا
يستقبل النارَ خوف النارِ في غَدِه والعَيْنُ من خشيةٍ سالت مآقِيها