قال أبو الحسن المدائني -عليه رحمة الله- دخل عمر بن عبد العزيز على ابنه عبد الملك في مرضه -رحمهما الله جميعاً- فقال: يا بني! كيف تجدك؟ قال: تجدني -أبتاه- في الموت.
قال: يا بني! لأن تكون في ميزاني أحب إليَّ من أن أكون في ميزانك، فقال الابن: يا أبتِ! والله لأن يكون ما تحبُّه أحبُّ إليَّ من أن يكون ما أحبُّه، ثم مات -عليه رحمة الله-.
ويروي الإمام أحمد في الزهد عن زياد بن أبي حسان أنه شهد عمر -رحمه الله -حين دفن عبد الملك ابنه قد استوى قائماً عند القبر، وأحاط به الناس، فقال: والله -يا بني- لقد كنت بارّاً بأبيك، والله ما زلت مسرورًا بك منذ وهبك الله لي إلى أن استودعتك الله في المنزل الذي صيَّرك الله إليه، فرحمك الله، وغفر ذنبك، وجزاك بأحسن عملك، ورحم كل شافعٍ يشفع لك بخير شاهد أو غائب، رضينا بقضاء الله، وسلمنا لأمر الله، والحمد لله رب العالمين، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم انصرف ورجع إلى مجلسه.
وكان قبل وفاة عبد الملك قد هلك أخوه سهل -وهو من أحب إخوته- وهلك مولاه مزاحم وهو عزيز عليه، كل ذلك في أوقات متتابعة، فلما استوى في مجلسه جاء الربيع بن سبرة -عليه رحمة الله- فقال: عظَّم الله أجرك يا أمير المؤمنين، ما رأيت أحداً أصيب بأعظمَ من مصيبتك؛ ما رأيت مثل ابنك ابناً، ولا مثل أخيك أخاً، ولا مثل مولاك مولى قط.
فطأطأ رأسه عمر -رحمه الله- فقال أحد الحاضرين: لقد هيَّجت عليه، قال: ثم رفع رأسه، فقال: كيف قلت يا ربيع؟ أعد.
قال: فأعدت عليه، فقال: لا والذي قضى عليهم الموت ما أحب أن شيئًا كان من ذلك لم يكن.
فيا أيها الكون منه استمع ويا أذن الدهر عنه افهمي
وروى ابن أبي حاتم بسنده عن خالد بن يزيد عن عياض عن عقبة أنه مات له ابن يقال له: يحيى؛ فلما نزل في قبره قال له رجل: والله! إن كان لسيد الجيش فاحتسبه، فقال والده: وما يمنعني أن أحتسبه وقد كان من زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات.
فلله ما أحسن فهمهم! ولله ما أحسن تعزيتهم لأنفسهم وثقتهم بما أعطى الله -عز وجل- من ثواب للصابرين!