للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طريق السعادة الحقيقية]

يا أيها الشاب! ويا ذا الشيبة! والله إن طريق المسجد طريق السعادة، ووالله ما عرفها من لم يعرف تلك الطريق.

إن رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه حين تضيق عليه الأرض وما تضيق، وتشتد عليه الخطوب يقول: {أرحنا بها يا بلال أرحنا بها يا بلال} فاتصل بالله.

ما خاب فؤاد لاذ بالله وما خاب منيب!

فيا عزيز المرام! أين الحضيض من الذرا؟

شتان ما بين الثريا والثرى.

كيف تعيش في مستنقع آسن، ودرك هابط، وعندك مرتع زاكٍ، ومرتقى عالٍ، شتان بين من ذاق برد اليقين ومن ذاق ضنك الإعراض عن رب العالمين، لا يستوي الليل والنهار، ولا ظلمة وضياء، ولا الأحياء ولا الأموات، قال الله: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:١٢٢] كلا والله.

قال شيخ الإسلام وتلميذه -رحمهما الله-: إن القلب لا يصلح ولا يفلح ولا ينعم ولا يُسر ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحده، ومحبته والإنابة إليه، فلو حصل على كل ما يتلذذ به المخلوقات لم يطمئن ولم يسكن إذ فيه فقر ذاتي، واضطرار وحاجة إلى ربه ومعبوده ومحبوبه ومطلوبه بالفطرة، لا يسعد ولا يطمئن ولا يَقِرُّ إلا بالإيمان بالله رب العالمين، فمن قرَّت عينه بالله قرَّت به كل عين، ومن لم تقِر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، وإنما يصدِّق هذا من في قلبه حياة.

فوا أسفاه! ووا حسرتاه! كيف ينقضي الزمان وينفد العمر، والقلب محجوب، ما شم لهذا البلسم رائحة، وخرج من الدنيا كما دخل فيها وما ذاق أطيب ما فيها، بل عاش فيها عيش البهائم، وانتقل منها انتقال المفاليس، فكانت حياته عجزاً، وموته كمداً، ومعاده حسرة وأسفاً؟! اللهم فلك الحمد وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.

فيا أيها الذين آمَنوا! آمِنوا.

ويا من أعرضوا أقبلوا تسعدوا.

{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٧] اللهم ارزقنا إيماناً نجد حلاوته، وقلوباً خاشعة، وألسنة ذاكرة، وأعيناً من خشيتك مدرارة، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً خاتم النبيين.

صلى عليه الله ما جنَّ الدُّجى وما جَرَتْ في فَلَكٍ شمس الضحى

أما بعد:

فيا عباد الله! إن الشواهد في القلوب لتشهد بأن السعادة في الطاعة والإقبال على الله، شواهد تشهد بها النفوس المؤمنة، والقلوب السليمة، والفِطَر المستقيمة، هذا الباب باب شريف، وقصر منيف لا يدخله إلا النفوس الأبية التي لا ترضى بالدون، ولا تبيع الأدنى بالأعلى بيع الخاسر المغبون، فإن كنت أهلاً لذلك فادخل، وإلا فردّ الباب وارجع والسلام.

عبد الله! كم أطعت الله فوجدت حلاوة في قلبك، وانشراحاً في صدرك، وإقبالاً على الله عز وجل ربك، وأنساً وفرحاً بقربه منك؟

كم وُفِّقت إلى قيام ليلة، أو صيام يوم، أو إلى إصلاح بين الناس، أو صدقة على مسكين؛ فوجدت أثر ذلك بقلبك سعادة وانشراحاً؟

لاشك أنك لن تجد من حلاوة الإيمان ما وجده صحابي من الصحابة، ولكن كلٌ بحسبه، هذا -والله- شاهد قوي على أن طريق السعادة هو طريق الطاعة لا غير.

من عاش في كنف الإيمان كان له أمناً وعاش رَضِيَّ النفس مغتبطا

عبد الله! كم عصيت الله فوجدت ضيقاً في صدرك، وشقاءً في قلبك، ووحشة بينك وبين الله ربك، ووحشة بينك وبين عباد الله الصالحين؟

كم أطلقت بصرك فيما حرم الله، وتكلمت فيما لا يعنيك؛ فوجدت غِب ذلك ضيقاً ونكداً، وتعاسة وشقاءً؟

كيف بمن يقارف الكبائر والفواحش، وينتقل من معصية إلى معصية دون استغفار أو توبة، لا شك أنه في ضيق وشقاء وعَنَتٍ وعناء.

المسألة باختصار -أيها المؤمنون- أن من أطاع الله قرَّبه وأدناه؛ فأنس به وسعد واستغنى، ومن عصى الله طرده وأبعده بقدر ذنبه فاستوحش وشقي وافتقر.

أترجو مواهب نعمائه وأنت إلى صف أعدائه

كلاّ.

فلا تشتغل بما ضمنه الله لك، وأقبل على الله تجده غفوراً رحيماً، وتسعد سعداً عظيماً.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كلام قيم ما ملخصه: فرِّغ خاطرك للهمِّ بما أمرت به، ولا تشغله بما ضُمِنَ لك، فما دام الأجل باقياً كان الرزق آتياً، وإذا سد الله عليك بحكمته طريقاً من طرقه فتح لك برحمته طريقاً أنفع لك منه وأكمل.

فتأمل حال الجنين يأتيه غذاؤه؛ وهو الدم من طريق واحدٍ وهو السُّرة، فلما خرج من بطن أمه وانقطعت تلك الطريق، فتح الله له طريقين اثنين؛ أعني الثديين وأجرى له فيهما رزقاً أطيب وألذ من الأول؛ لبناً خالصاً سائغاً.

فإذا تمت مدة الرضاع وانقطع الطريقان بالفطام، فتح طرقاً أربعاً أكمل منها، هما طعامان وشرابان؛ فالطعامان من حيوان ونبات؛ والشرابان من مياه وألبان وما يضاف إليهما من المنافع والملاذِّ.

فإذا مات وانقطعت عنه هذه الطرق الأربع، فتح الله له إن كان سعيداً طرقاً ثمانية؛ هي أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، نسأل الله من فضله.

فالله لا يمنع عبده المؤمن شيئاً من الدنيا إلا ويؤتيه أفضل منه وأنفع، وليس ذلك لغير المؤمن، إن الله يمنعه الحظ الأدنى الخسيس ليعطيه الأعلى النفيس، والعبد لجهله بمصالح نفسه وكرم ربه ورحمته لا يعرف التفاوت بين ما مُنع منه وما ادخر له، بل هو مولع بحب العاجل وإن كان دنيئاُ، وبقلة الرغبة في الآجل وإن كان علياً، ولو أنصف العبدُ ربه -وأنَّى له ذلك- لعلم أن فضله عليه فيما منعه في الدنيا ولذاتها أعظم من فضله عليه فيما آتاه منها.

فما منعه إلا ليعطيه، وما ابتلاه إلا ليعافيه، وما امتحنه إلا ليصافيه، ولا أماته إلا ليحييه، ولا أخرجه إلى هذه الدار إلا ليتأهب للقدوم عليه، ويسلك الطرق الموصلة إليه: {جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:٦٢] وأبى الظالمون إلا كفوراً، والله المستعان.

أيها المؤمنون! إن الحديد إذا لم يستعمل غَشِيه الصدأ حتى يفسده، فكذلك القلب، إذا عُطِّل عن الإيمان بالله وحبه وذكره والإقبال عليه بالعمل الصالح غلبه الجهل والهوى والران حتى يميته ويهلكه؛ فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، مرباداً أسود كالكوز مجخياً.

فيا أيها المؤمنون! ويا شباب الأمة خاصة! الإيمان بلسم الحياة؛ فسيروا في ركابه تسعدوا.

سيروا فإن لكم خيلاً ومضمارا وفجروا الصخر ريحاناً ونوَّارا

سيروا على بركات الله وانطلقوا فنحن نُرْهِف آذاناً وأبصارا

وذكرونا بأيام لنا سلفت فقد نسينا شرحبيلاً وعمارا

وصلوا وسلموا على نبيكم محمد فقد أمرتم بالصلاة والسلام عليه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وألف بين قلوبهم، وأَصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم.

اللهم كن للمستضعفين، اللهم انصر المسلمين على عدوك وعدوهم، اللهم كن للمستضعفين والمضطهدين والمظلومين، اللهم فرِّجْ همَّهم، ونفِّسْ كُربهم.

اللهم كن للمستضعفين والمظلومين والمضطهدين، اللهم فرج همهم، ونفس كربهم، وارفع درجاتهم، واخلفهم في أهلهم.