[امرأة تشارك في الجهاد بضفائرها]
وهاهو أبو قدامة الشامي يقف خطيباً في يوم من الأيام على المنبر يَعِظ الناس، ويذكرهم بفضيلة الجهاد في سبيل الله جل وعلا.
ماذا كان من هذا الرجل؟
خرج من المسجد، وقد اشْرَأَبَّتْ الأعناق للذهاب إلى القتال في سبيل الله، وخرج يمشي في شارع من شوارع مدينته، وإذا بهذه المرأة تقول: يا أبا قدامة! السلام عليك، فلم يرد عليها السلام؛ لأنه خشي أن تفتنه؛ لأن نبيه صلى الله عليه وسلم يقول: {فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء} فلم يرد عليها في الأولى، ولا في الثانية، وفي الثالثة قالت: السلام عليك يا أبا قدامة! ما هكذا يفعل الصالحون.
قال: فتوقفت فتقدمت إليّ، وقالت: سمعتك وأنت تشحذ الهمم للجهاد في سبيل الله، وفتشت، فلم أجد -والله- أغلى عندي من ضفيرتَيْ شعري، فقصصتهما، فخذهما، واجعلهما لجاماً لفَرَسِك في سبيل الله؛ علَّ الله أن يكتبني من المجاهدات في سبيله.
ولا إله إلا الله تقصُّ ضفائرها لجاماً لخيل الله ولجند الله، وأخرى تقصُّ ضفائرها لتكون أشبه بالبغايا العاهرات، شتان بين مشرق ومغرب! شتان بين الفريقين!
يا أيها الأحبة! {من تشبَّه بقوم فهو منهم}.
أرأيتم هذه المرأة في اليوم الذي بعده؟ يقول أبو قدامة: وقد انطلقنا نريد الجهاد في سبيل الله، قال وإذا بطفل يأتي ويلحق بنا، ويقول: يا أبا قدامة! سألتك بالله أن تجيزني في القتال في سبيل الله.
قال: تطؤك الخيل بحوافرها.
قال: سألتك بالله إلا أخذتني.
قال: إن قُتلت تشفع لي عند الله شرط؟ قال: نعم.
فأخذه معه على فرسه، وانطلقوا حتى قابلوا الروم، وحينما قابلوهم قال: سألتك بالله ثلاثة أسهم.
قال: تضيعها إذاً.
قال: سألتك بالله ثلاثة أسهم، فأعطاه، فأخذ سهماً، وقال: السلام عليك يا أبا قدامة! باسم الله، ثم أطلقه، فقتل رومياً، ثم أطلق الثاني فقتل رومياً، ثم أطلق الثالث فقتل رومياً ثالثاً، ثم جاءه سهم فضربه في لُبته، فأرداه من فوق الفرس وهو يقول: السلام عليك يا أبا قدامة! سلام مودع، ثم سقط فسقط وراءه أبو قدامة، وقال: لا تنسَ الوصية، لا تنسَ الوصية.
فما كان منه بعد ذلك إلا أن قال: خذ هذا وأعطِه أمي.
قال: ومن أمك؟ قال: أمي صاحبة الضفيرتين التي أعطتك إياها بالأمس.
أرأيتم إلى البيوت المسلمة يوم تُربَّى على لا إله إلا الله محمد رسول الله، المرأة مربية الأجيال.
والأم مدرسة إذا أعددتها أعدت شعباً طيِّب الأعراق