[توجيهات تحذيرية ونصائح للمغتابين]
إلى الطاعنين القعدة الذين صرفوا وجوههم عن آلام أمتهم، وقالوا: {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص:٤٢]، فصاروا ألماً مضافاً إلى أمتهم، يحق في أحدهم:
خطبت فكنت خطباً لا خطيباً أضيف إلى مصائبنا العظام
إليهم أقول: احذروا، ثم احذروا، ثم احذروا! وقول ابن القيم: تأملوا كم أورثت التهم الباطلة من أذىً لمكلوم، عبَّر عن جرحه بخفقة صدر، ودمعة عين، وزفرة تظلم ارتجف منها فؤاده بين يدي ربه في جوف الليل؛ لهجاً ملحاً لكشفها، ماداً يديه إلى مغيث المظلومين، وكاسر الظالمين، والظالم يغط في نومه، وسهام المظلوم تتقاذفه، وعسى أن تصيب ما اقتناه.
فيا لله ما أعظم الفرق بين من نام وأعين الناس ساهرة تدعو له، ومن نام وأعين الناس ساهرة تدعو عليه!
تحلل فما زال للصلح باب وبالموت يغلق باب المتاب
قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: {من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيءٍ منه، فليتحلله اليوم قبل ألا يكون درهمٌ أو دينار، إن كان له عملٌ صالح أخذ بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسناتٌ أُخذ من سيئات صاحبه، فحمل عليه قال الله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:٤٧] لكل حتفٍ سبب من السبب، فيا ويل من زلت به القدم ولم يتب، وترك الحبل لحروفه، يضطرب من شرٍ قد حل، لا أقول: قد اقترب؛ أقلع عن الذنب، وكف عن العيب، واندم فالندم توبة، والتائب كمن لا ذنب له، واعزم على عدم العودة.
إنما المؤمن من إن خرق الثوب رفا
وعن التقصير والأنام خوفاً عزفا
عونك الله ربي أنت حسبي وكفى
تحلل ممن اغتبته وطعنت فيه، واطلب عفوه وإبرائه إن بلغه ما قلته، وإن لم يبلغه؛ فاستغفر له ولا تخبره، فإن في إخباره مفسدةً محضةً لا تتضمن مصلحة، أثن عليه بما فيه من خير في المواطن التي طعنت فيه لتصلح ما أفسدته، فوالله إن الأمر لشديد، وإن الحروف لتجر الحتوف: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر:٣١].
فكم من حروفٍ تجر الحتوف وكم ناطقٍ ود أن لو سكت
ومع هذا كله:
فالقدح ليس بغيبةٍ في ستةٍ متظلمٍ ومعرفٍ ومحذر
ولمظهرٍ فسقاً ومستفتٍ ومن طلب الإعانة في إزالة منكر