[امتحان صلاح الدين]
عباد الله: كلنا في امتحان، فبين راسب وناجح، والمادة هي لا إله إلا الله محمد رسول الله، بين عامل بمقتضاها قائم بأركانها وشروطها وواجباتها، قالها موقناً محباً منقاداً مستسلماً، صدق بها قلبه، وعملت جوارحه بها، فهو الناجح، وأي نجاح! وآخر قالها بلسانه وما صدقها بالعمل، فهو الراسب المنافق، وآخر لم ينطقها، فإلى جهنم وبئس القرار.
هاهي رسالة امتحان تأتي لـ صلاح الدين من أحد المسلمين على لسان المسجد الأقصى الأسير في يد الصليبيين يوم ذاك -واليهود اليوم مع الصليبيين- تقول الرسالة وهي امتحان واختبار لـ صلاح الدين:
يا أيها الملك الذي لمعالم الصلبان نكَّس
جاءت إليك ظِلامَةٌ تسعى من البيت المقدس
كل المساجد طهِّرت وأنا على شرفي منجَّس
فقام صلاح الدين يصوم نهاره، ويقوم ليله، ويشحذ هِمَمَ الأمة الإسلامية، ويصدر أوامره ألا يضحك أحد، ولا يمزح أحد، ولا يفكر أحد إلا باسترداد بيت المقدس، ويقودها حملة لا تبقي ولا تذر، بعد استعداد جيد للامتحان، فيدمر الصليب، ويحرر فلسطين والمسجد الأقصى؛ ليكون قدوة لمن يريد استعادة الأقصى السليب.
ثم ماذا بعد صلاح الدين أيها الإخوة؟
استيقظ اليهود يوم نمنا فدنَّسوه، ودخلوا إلى قبر صلاح الدين ورفسوه، وقالوا: ها قد عدنا يا صلاح الدين، فيا ليت صلاح الدين يرى المؤامرات على أقصانا، وما هدم العدو وما استباح، ليته يرى كيف بغى اليهود، وكيف أحسنَّا الصياح.
إن أسئلة الامتحان التي قُدِّمت لـ صلاح الدين، أسئلة الآن تُقدَّم لنا، لكن صلاح الدين حلَّ الأسئلة بنفسه، ونحن أحلنا حلَّ الأسئلة إلى غيرنا، فكان ما كان.
سقوا فلسطين أحلاماً منوِّمَة وأطعموها سخيف القول والخُطَب
لكني أقول: يا عباد الله! لا يأس، لا قنوط، سَتُحلُّ الأسئلة، وستبقى طائفة على الحق؛ لتقود الأمة ليعود الأقصى، وتعود فلسطين والعاقبة للمتقين:
لا يأس يسكننا فإن كبر الأسى وطغى فإن يقين قلبي أكبر
في منهج الرحمن أمن مخاوفي وإليه في ليل الشدائد نجأر
وإن عرف التاريخ أوساً وخزرجاً فلِلَّه أوس قادمون وخزرج
أيها الآباء: وأنتم تعدون أبناءكم للامتحان اتقوا الله فيهم، اعلموا وعلموهم أن سلعة الله أغلى وأعلى، علِّموهم أن الامتحان والنجاح بقَصْر النفس على ما يرضي الله، علموهم أن السعادة في تقوى الله، واعلموا أنتم أنه لن ينصرف أحد من الموقف وله عند أحد مَظْلَمَة.
يفرح ابنك أن يجد عندك مظلمة، تفرح زوجتك أن تجد عندك مظلمة، يأتي ابنك يقف يحاجّك بين يدي الله قائلاً: يا رب! سل أبي لِمَ ضيعني عن العمل لما يرضيك، ورباني كالبهيمة، ما يكون جوابك أيها الأب الحنون؟
أَعِدَّ للسؤالِ جواباً.
يا أيها الابن تيقَّظ وانتبه وأقبل بقلب على مولاك تظفر باهتدا
وقف بالباب واطلب منه فتحاً عسى تحظى به صبح امتحان
اللهم إنَّا نسألك أن تجعلنا من الفائزين الناجين يوم القُدُوم عليك يا أكرم الأكرمين!
اللهم إنا نسألك التوفيق لأبنائنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا.
اللهم لا تضيِّع تعبهم، ولا تبدِّد جهدهم.
اللهم ذكِّرهم ما نسوا، وعلِّمهم ما جهلوا، ووفِّقهم لخَيرَي الدنيا والآخرة يا أكرم الأكرمين.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.