يقول اليماني في إيثار الحق ما مضمونه ونقول به: إن طلب الحق والهداية إلى الصراط المستقيم أجلى وأحلى في النفوس الأبية من الشمس في رابعة النهار، ومحورٌ تدور عليه همم الأخيار، وعباب تنصب منه جداول شمائل الأطهار، ومتى علت الهمة في طلب الحق والهدى، حملت صاحبها على مفارقة العوائد وطلب الأوابد، فإن الحق في مثل هذه الأعصار قلًّ ما يعرفه إلا واحد، وإذا عظم المطلوب قلًّ المساعد.
البدع والشبه قد فشت، والشهوات انتشرت وطغت، وكثر الداعون إليها والمعاونون عليها
فكيف لو رآنا اليوم، وقد صار طالب الحق اليوم من أمره في حيرة؟ ولكن كل مطلوب بإذن الله مدرك، فكم أدرك الحق طالبه في زمن الفترة، وكم عمي عنه المطلوب له في زمن النبوة، فاعتبر فإن الحق ما زال عزيزاً نفيساً كريماً، لا ينال مع الإضراب والإعراض عن طلبه، وعدم التشوف والتشوق إلى سببه، لا يهجم على المبطلين المعرضين، ولا يفاجئ أشباه الأنعام الغافلين، ولو كان كذلك ما كان على وجه الأرض مبطلٌ ولا ضال، ولا جاهلٌ ولا غافلٌ ولا بطال ما حقيقةٌ كخيال.
أيها المسلمون! اطلبوا الهداية على الحقيقة في وحي الله من الله تجدوها، لا تستأثرنكم دونها عادات وتقاليد ومظاهر وأعراف، فتكونوا لقمةً بين فكي أسد وطبقتي رحى، بل لساناً ولا أسنان، وأشباحاً ولا أرواح، وخيالاً ولا حقيقة.
إن العالم يلهث ويلهث ويتطلع في خضم تيهه وشقائه إلى منقذ، وحاله حال أهل جهنم:{أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}[الأعراف:٥٠] هل عندنا ماء الهداية الزلال أم أننا نملك السراب والآل؟ أم أننا كالعيس العطاش الهلكى في البيداء وعلى ظهورها الماء في القلال؟ ما حقيقةٌ كخيال.