[الصبر عند المصائب]
وذاك غادٍ في دنياه، ويصاب بمصيبة فيوبق نفسه ويهلكها، فيتسخط من قضاء الله وقدره، ويعترض على قدر الله، ما علم أن المصائب ترفع الدرجات لمن احتسبها عند الله سبحانه وتعالى، وما علم أن الله مع الصابرين، يصاب في دنياه فيكسر دينه:
وكل كسر لعل الله جابره وما لكسر قناة الدين جبران
يقول عند الصدمة الأولى يوم يصاب في حبيب أو قريب أو في نفسه: لم يا رب؟ يعترض على قضاء الله وقدره يشق الجيب، ويلطم الخد، ويدعو بالويل، وبالثبور وبعظائم الأمور على نفسه، والملائكة في تلك اللحظة تقول: آمين آمين، فالمصيبة مصيبتان لا هو احتسب هذه، وإنما أصبحت مصيبته بفقد حبيبه، ومصيبته الأخرى: بضياع الأجر في تلك اللحظة، والمحروم من حُرِمَ الثواب.
وأنا أسأل سؤالاً يا أيها الأحبة: هل سيعود ميت إن مات؟
والله! ما سمعنا أن ميتاً مات فعاد، لكنه ذهب ونحن على الأثر، إن للموت أخذة تسبق اللمح بالبصر.
هاهو أحد السلف -شابٌ من شباب السلف- كانت له زوجة صالحة، وكان له أولاد، ثم حلَّت به سكرات الموت التي لابد أن يعاني كل واحد منا هذه السكرات، ونسأل الله أن يهونها علينا وعلى كل مسلم، في تلك اللحظات التي يذعن فيها الإنسان ويخضع، ويذل لله عز وجل أياً كان، هذا الرجل مات فوجدت عليه زوجته وجداً عظيماً، ووجد عليه أولاده وحزنوا حزناً عظيماً؛ فأقسمت زوجته لتبكين عليه عاماً كاملاً.
وهذا ليس من عمل الإسلام، هذا جزعٌ وتسخط واعتراض على قضاء الله وقدره، فأخذت أولادها، وأخذت خيمةً لها، وذهبت ونصبتها عند قبره، وبقيت عاماً كاملاً تبكي، وأولاده الصغار حول قبره، فما خرج إليهم فكلَّمهم بكلمة، ما خرج إلى زوجته وقال: أحسنت، أو قال: اذهبي ووالله! لو خرج لقال: لا إله إلا الله، أو الحمد لله، أو سبحان الله؛ لأنه لا ينفعه في القبر إلا مثل هذه الكلمات، والله! لو كلَّم أبناءه بكلمة واحدة لسكن الناس كلهم المقابر ليُكلموا أحبابهم وأخواتهم وأصحابهم وأولادهم، فما منا واحد إلا وله في القبر عزيز أي عزيز؛ لكن قد حيل بينهم وبين ما يشتهون.
بقيت سنة كاملة وفي آخر السنة طوت خيمتها، وأخذت أولادها، وجاءت راجعة مع الغروب إلى بيتها، لم تجد جدوى من جلوسها سنة كاملة.
وإذ بهاتف يهتف بها ويقول: هل وجدوا ما فقدوا؟ وإذ بهاتف آخر يرد ويقول: ما وجدوا ما فقدوا؛ بل يئسوا فانقلبوا.
ووالله! لن يرجع ميت -يا أيها الأحبة- فما على الإنسان إلا أن يحتسب في تلك اللحظات.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفقد ابنه إبراهيم الصغير فلذة كبده، فماذا كان منه صلى الله عليه وسلم؟ دمعت عينه، وتأثر قلبه؛ لكنه صلى الله عليه وسلم ما قال إلا ما يرضي ربه، وهو الأسوة والقدوة، قال: {العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون}.
ها هي إحدى بناته صلى الله عليه وسلم كانت في يوم من الأيام لها ولد في النزع الأخير من سكرات الموت، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً، وقالت: أخبره أن ابني في النزع لِيَحْضُرَه، فأخبره فقال: {مرها فلتصبر ولتحستب، فإن لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شئ عنده بأجل مسمى}.