[من آثار الإيمان: سعادة البيوت والأسر]
والإيمان هو الزمام والفيصل.
ومن آثاره على الحياة: سعادة البيوت والأسر، بيت يدخله الإيمان بيت سعيد؛ لا يُخْرج إلا السعداء بإذن رب الأرض والسماء؛ استعاض أهله عن الغناء بترتيل القرآن آناء الليل وأطراف النهار، واستغنوا عن المجلات الماجنة بتقليب المصحف وكتب السُّنة والكتب المفيدة، واستغنوا عن السجائر وما في حكمها من الخبائث بالسواك فطهروا أفواههم وأرضوا ربهم.
سعادة وأي سعادة، نساء هذا البيت مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات متحجبات ممتثلات لأمر رب الأرض والسماوات، يخرج الزوج المؤمن من البيت المؤمن فتقول الزوجة: اتق الله فينا ولا تطعمنا إلا حلالاً؛ فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار.
هذا بيت الإمام أحمد عليه رحمة الله يتربى على الإيمان، فاسمع إليه يوم يقول بعد أن توفيت زوجته أم صالح رافقتني أم صالح -يعني: زوجته- ثلاثين عاماً، والله ما اختلفت معها في كلمة واحدة.
إنه الإيمان يا أيها الأحبة.
وليس هذا فحسب، إن البيت المتربي على الإيمان يدرك الأطفال هذا الإيمان، فيدخل إلى قلوبهم السعادة ولو كانوا لم يحظوا من الدنيا بقليل ولا كثير.
إن الإمام أحمد كان دخله في الشهر سبعة عشر درهماً فيأتي أبناؤه ويقولون: يا أبتاه! لا تكفينا، قال: أيام دون أيام، وطعام دون طعام، وشراب دون شراب، ولباس دون لباس حتى نلقى الله الواحد الأحد.
حذاؤه تبقى في رجله ثمانية عشر عاماً -كما ذكر ابنه عبد الله - كلما انخرمت خصفها، وأعادها إلى رجله؛ لأنه ركل زخارف الدنيا وهو يعلم أن مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا.
البيوت المؤمنة تُخْرج أشبال الإيمان، والأسر التي تربت على الإيمان تخرج أشبال الإيمان، وإليكم هذا المثل:
عمر بن عبد العزيز عليه رحمة الله ورضوانه في يوم العيد، وهو خليفة المسلمين يدخل رجال المسلمين ليهنئونه ويدعون له بقبول الصيام والقيام، ثم يذهب الرجال، ويدخل أطفال الرعية في هيئة حسنة وجميلة، وبينهم طفل من أطفال عمر ثيابه خَلِقَة وثيابه بالية، وميزانية الأمَّة كلها تحت يديه، ومع ذلك جعل الدنيا تحت قدميه، وربَّى في أهله الإيمان، ففازوا بأعظم حُلة؛ إنها حلة الإيمان.
يوم رأى ابنه في يوم العيد بين أطفال الرعية وهم في هيئة حسنة وهو في تلك الهيئة طأطأ رأسه وبكى، فقال هذا الطفل الصغير -والذي تربى على الإيمان-: أبتاه! ما الذي طأطأ رأسك وأبكاك، قال: يا بني -والله- ما من شيء إلا أني خشيت أن ينكسر قلبك يوم العيد بين أطفال الرَّعية، وأنت بهذه الهيئة وهم بتلك الهيئة.
فردَّ ردَّ الرجال المؤمنين، قال: أبتاه! إنما ينكسر قلب من عصى ربه ومولاه، وعقَّ أمه وأباه، أما أنا فلا والله.
فمن الذي علَّم هذا الطفل إلاّ الله الذي رزقه الإيمان من صغره فتربى على الإيمان، فكان منه ما كان.