للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طريق الجنة والنار]

اعلمي أخيراً أن طريق الجنة صعب، وأنه محفوف بالمكاره، لكن آخره السعادة الدائمة؛ أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم يوم يقول: {إن الله عز وجل لما خلق الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر ما أعددت لعبادي الصالحين فيها، فذهب؛ فإذا فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فرجع إلى ربه، وقال: يا رب! وعزتك وجلالك لا يسمع بها أحد إلا دخلها -لِما فيها من النعيم- ثم حفَّها الله بالمكاره -بما تكره النفس من التكاليف؛ من الأوامر، من النواهي، من الضوابط الشرعية التي يتنقل الإنسان بينها وفيها، حفَّها بهذا كله- ثم قال: ارجع فانظر إليها، فنظر إليها، فإذا هي حفَّت بكل ما تكرهه النفس، فماذا قال؟ رجع إلى ربه، وقال: وعزتك وجلالك قد خشيت ألا يدخلها أحد}.

يا أيها الأحبة: والله! لا يدخلها إلا من زكىَّ نفسه، اسمعوا إلى الله وهو يقسم، مرات بعد مرات، يقسم بالضحى، وله أن يقسم بما شاء: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى:١ - ٢] ثم يقول هناك: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس:١ - ٨].

ثم الجواب يأتيك بعد هذه الأقسام المتعددة المغلظة العظيمة من الرب العظيم يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:٩] فوالله لن يفلح إلا من زكَّى نفسه بالإيمان بالله، والدعوة إلى الله عز وجل.

وطريق النار سهل، ولكنه محفوف بالشهوات، وآخره الشقاء الأبدي السرمدي الذي لا يزول: {لمَّا خلق الله النار -في نفس الحديث السابق- قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب إليها، فإذا هي سوداء مظلمة، يحطم بعضها بعضاً، ترمي بشرر كالقصر، كأنه جِمَالت صُفْر، فرجع إلى ربه وقال: وعزتك وجلالك ما يسمع بها أحد فيدخلها، ثم حفَّها الله بالشهوات -وبكل ما تشتهيه النفس، وبكل ما ترتاح له النفس، وبكل ما تهواه النفس- ثم قال: ارجع فانظر إليها، فرجع فنظر إليها، فإذا هي قد حفت بكل ما تشتهيه النفس، فرجع إلى ربه وقال: لقد خشيت ألا يبقى أحد إلا دخلها}.

إن التعامل مع الله عظيم، وإن المتعامل مع الله لا يخيبه الله رجلاً كان أو امرأة.

فيا أيتها المؤمنة: انوِ الخير، واعملي الخير، فوالله! لن تزالي بخير ما نويت الخير، وما عملت الخير.

اسمعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {من همَّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، ومن همَّ بحسنة فعملها كتبت له عشر حسنات، ومن همَّ بسيئة ولم يعملها كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت له سيئة واحدة}.

فضلاً من الله ومِنَّة.

فيا ويل ويا ويل ويا ثبور من غلبت آحاده عشراته! حسنة واحدة أو سيئة واحدة تغلب عشرات الحسنات، يا ويل من كان حاله على ذلك.

فانتبهن وتقربن إلى الله عز وجل بما يرضى الله.

تقربن إليه بالفرائض؛ فإن أحب ما يتقرب به إلى الله الفرائض، ثم تقربن بالنوافل؛ فإنه لا تزال المرأة تتقرب، والرجل يتقرب بالنوافل حتى يحبه الله كما قال في الحديث القدسي: {فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه}.

فالهِمَّة الهمة؛ فإنها طريق إلى القمة، أسرعي ولا تنظري إلى الخلف، لا تنظري إلى أي عائق، واعلمي أن شبراً بذراع، وأن ذراعاً بباع، وأن مشياً بهرولة، فضلا من الله ومِنَّة.

اصبري، وجِدِّي، ولا تسأمي، ولا تملي بالنصح، بالدعوة، بالقيام بما أوجب الله عليكِ، فلا تنظري إلى لوم لائم، ولا إلى عتاب عاتب، ولا إلى هوى نفس أو شيطان.

وإذا اجتمعت عليكِ هذه كلها، فانظري إلى منازل زاكية في جنان ورضوان، أدنى أهل الجنة فيها من يأتي بعد ما دخل أهل الجنة، فيقول الله له: {ادخل الجنة، فيقول: يا رب! وقد أخذ الناس منازلهم وسكنوا مساكنهم - يخيَّل إليه أنها ملأى- فيقول الله: ألا ترضى أن يكون لك مثل مَلِك من ملوك الدنيا؟ قال: بلى رضيت يا رب، قال: فإن لك مثله ومثله ومثله ومثله، وفي الخامسة يقول: رضيت يا رب رضيت.

فيقول: ولك عشرة أمثاله، وما اشتهت نفسك، ولذَّت عينك وأنت فيها}

قولي خيراً، وادعي خيراً، وتكلمي خيراً أو اصمتي؛ فكم كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان: {وإن المرء ليقول الكلمة من سخط الله يكتب الله عز وجل له بها سخطه إلى أن يلقاه}.

أخيراً: توبي إلى الله، واستغفري الله؛ فإن الشيطان قد قطع على نفسه عهداً، فقال: وعزتك وجلالك لأغوينهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، والله يقطع العهد على نفسه -ورغمت أنف إبليس- وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني.

فاللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، وأقرَّ أعيننا بصلاح المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى أن تجعلنا من الصالحين، وأولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن تجعلنا ممن باع نفسه لله، فجعل همَّه الله والدار الآخرة.

أسأل الله أن يرينا من بنات المسلمين، وأمهات المسلمين، وأخوات المسلمين ما تقَرُّ به الأعين، صالحات، قانتات، تائبات، عابدات.

أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، من كان سبباً في هذا الاجتماع، ومن ساهم فيه بأي مساهمة صَغُرَت أو كَبُرَت أن تجعل له ذلك في ميزان الحسنات عظيماً عظيماً؛ فأنت أهل التقوى، وأهل المغفرة.

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.