[الإيمان واللحظة الأخيرة]
ومن آثاره على الحياة: آثاره في تلك اللحظة الأخيرة، في تلك اللحظة الحاسمة، في لحظة الموت العصيبة المريرة التي لا يثبت فيها إلا المؤمنون، يوم يعتقل اللسان، ولو لم يعتقل لصاح الميت من شدة ما يلاقي من السكرات حتى تندك جدران الغرفة التي هو فيها، يوم يخدر الجسم، ولو لم يخدر لما مات أحد على فراشه، ولما مات إلا في شعب الجبال ورءوسها؛ من شدة ما يلاقي من السكرات.
اللحظة التي صورها من عاناها بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم يوم يغمى عليه ويصحو، ويقول: {لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات}، لحظة عاناها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاناها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفها أحدهم وهو عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه فقال وهو في اللحظات الأولى من لحظات السكرات، ولا زال لسانه لم يعتقل، ولا زال جسمه لم يخدر: [[والله لكأن على كتفي جبل رضوى، وكأن في جوفي شوكة عوسج، وكأن روحي تخرج من ثقب إبرة، وكأن السماء أطبقت على الأرض وأنا بينهما]].
في هذه اللحظات المريرة العصيبة يأتي أثر الإيمان واليقين، فيلهمك الله النطق بالشهادتين: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلاّ الله دخل الجنة}.
في تلك اللحظات يأتي المؤمنون فيسعدون بتلك اللحظات؛ لأنهم يعلمون أنها آخر عناء وتعب، وآخر نَصَب ووصب، ليس هذا فحسب، بل تستقبلهم الملائكة، بل تبشرهم الملائكة، فلا خوف ولا حزن: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:٣٠ - ٣١].
هاهو عمر بن عبد العزيز عليه رحمة الله في سكرات الموت يقول: مرحباً بالوجوه ليست بوجوه جن ولا إنس، ثم يطلب ممن حوله أن يخرجوا، وإذا به يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:٨٣] ليلقى الله عز وجل على ذلك.
وأحدهم بلغت به سكرات الموت مبلغاً فيقولون له: قل: لا إله إلا الله -وهو من الصالحين ولا يزكى على الله- فكان يقول: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:٦ - ٢٧] ليلقى الله على تلك الحال: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يشاء} [إبراهيم:٢٧].
ومؤذن لطالما رفع الأذان من على المنائر كل يوم خمس مرات يختمها بلا إله إلا الله، وهو في منطقة الجنوب، وفي تلك اللحظات الأخيرة من حياته يغمى عليه إغماءة مستمرة، فما كان يفيق إلا في وقت الصلاة، فإذا جاء وقت الصلاة قام وأذن حتى يقول: لا إله إلا الله، ثم يعود إلى إغمائه، وفي مرة من المرات، يفيق من إغمائه ويقول: يا بني -وابنه معه- أحان وقت الصلاة؟ قال: نعم، فقال: الله أكبر، الله أكبر حتى ختمها بلا إله إلا الله، ليلقى الله على تلك الحال: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ} [إبراهيم:٢٧].
وفي المقابل تجد الذين لا إيمان لهم في تلك اللحظات، الذين لم ينضبط سلوكهم قد ضيق الله عليهم، وعسَّر أمورهم، وأوغر صدورهم، ثم لا يُلْهمون الشهادة ليختموا بها حياتهم، فيا لها من سوء خاتمة!
هاهو شاب في سكرات الموت، يقولون له: قل: لا إله إلا الله -ولطالما دنَّس فمه بشرب الدخان- فيقول: أعطوني دخاناً، فيقولون: قل: لا إله إلا الله، فيقول: أعطوني دخاناً، أعطوني دخاناً، فيقولون: قل: لا إله إلا الله عله أن يختم لك بها، قال: أنا بريء منها، أعطوني دخاناً، ليلقى الله على تلك الحال، نسأل الله حسن الخاتمة.
وشاب أخر -كما ذكر الشيخ سلمان -: كان صادّاً نادّاً عن الله جل وعلا، وحلَّت به سكرات الموت التي لابد أن تحل بي وبك، لا أدري أقريب أم بعيد؟ ونسأل الله أن يحسن لنا ولكم الختام، جاء جلاسه وقالوا: قل: لا إله إلا الله، فيتكلم بكل كلمة ولا يقول لا إله إلا الله، ثم يقول في الأخير: أعطوني مصحفاً، ففرحوا واستبشروا وقالوا: لعله يقرأ آية من كتاب الله، فَيُختم له بها، فأخذ المصحف ورفعه بيده، وقال: أشهدكم أني قد كفرت برب هذا المصحف، ثم يلقى الله على ذلك، نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الختام: {وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:٢٧].