إن النماذج لكثيرة كثيرة لكني أقف مع نموذج أخير أو قبل الأخير، وهو مع أم الإمام أحمد الذي يموت أبوه عنه وهو صغير، فتكفله أمه الزاهدة العابدة الصائمة القائمة، تقوم بتربيته، وهذا دور المرأة يوم تكون صالحة.
تنتج اللَّبِنات الصالحة، نشَّأت ابنها على حب الله ورسوله، وعلى حب كتاب الله، يقول أحمد:"حفَّظتني القرآن وعمري عشر سنوات"، ومن حفظ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيْه.
يقول: كانت توقظني قبل صلاة الفجر بوقت ليس بالقصير، وتدفئ لي الماء؛ لأن الجو كان بارداً في بغداد، وتُلبسُني اللباس، ثم نصلي أنا وإياها ما شئنا، ثم ننطلق إلى المسجد وهي مختمرة؛ لأن الطريق كان بعيداً مظلماً موحشاً لتصلي معه صلاة الفجر في المسجد -وعمره عشر سنوات- وتبقى معه حتى منتصف النهار لتعلمه العلم، ولتربيه التربية؛ ليكون لَبِنَةً صالحة ينفعها يوم تقْدمُ على الله جل وعلا.
يقول: فلما بلغت السادسة عشرة قالت: يا بُني! سافِرْ في طلب الحديث؛ فإن طلب الحديث هجرة في سبيل الله.
أعدت له بعض متاع السفر من أرغفة الشعير، ومن صُرَّة ملح، ومن بعض مستلْزَمَات السفر، ثم قالت: إن الله إذا استُودِع شيئاً حفظه، فأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.
ذهب من عندها إلى المدينة، وإلى مكة، وإلى صنعاء ليعود الإمام أحمد، وقد قدَّم للأمة ما قدَّم ولأمه -إن شاء الله- من الحسنات مثلما عمل أحمد، ومثل من يعمل بعمل أحمد إلى أن يلقى الله بمنِّه وكرمه، والخير في الأمة كثير وكثير.