معاشر المؤمنين! النعيم لا يدرك بالنعيم هذا واقعٌ حيٌ مطَّبقٌ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، مُشاهدٌ في أتباعهم يوم جدوا في طريقهم إلى خلاقهم، فما عاقهم مكروهٌ ولا بأسٌ ولا شدةٌ عن بلوغ أهدافهم، بل وظفت هذه الشدة والمكروه والجوع والبأس لتهذيب أنفسهم وأخلاقهم، فإذا هم قلوبٌ تتصل بالله تتذكر الله وتخشاه، وتؤثره على كل مغريات الحياة، امتلأت نفوسهم بهممٍ وإيمانٍ وأماناتٍ وكفاءات من أخمص القدم إلى ذؤابة الرأس، تشابهت السبل فاتخذوا سبيل الله سبيلاً، وتفرق الناس فجعلوا محمداً صلى الله عليه وسلم وحزبه قبيلاً.
اقتحمتهم الأعين أول ما خرجوا من الصحراء فاتحين، فلما اشتبكوا مع فارس والروم، جثا التاريخ يسجل ويروي ويقول:
قومٌ كرام السجايا أينما ذكروا يبقى المكان على آثارهم عطرا
أخلاقهم عما يشين نقيةٌ ونفوسهم عما يعيب مكفكفة
ما استعبدتهم شهوةٌ تدعو إلى الصفراء والبيضاء لا والزخرفة
ليسوا بأسرى الأرغفة
ليسوا بأسرى الأرصدة
ليسوا بأسرى الأشربة
الأطعمة
الألبسة
قوم إذا جدَّ الوغى كانوا ليوث الملحمة
ملأٌ لقد ملأ الإله صدورهم نوراً فكانت بالضياء مزخرفة
جديرٌ بنا -معشر المسلمين- أن نقف على استعلائهم على شهواتهم ومكاره أنفسهم في سبيل مرضاة ربهم، علَّنا نقتبس قبساتٍ من ضوئهم، وومضات من شعاعهم، لتنهض همة مقعد، وتُشحذ عزيمة زمن؛ في عصر أخلد فيه إلى الأرض، وغُلبت المادة، وعبد الدرهم والدينار من دون الله الواحد القهار، فحيهلاً بهم فقد صوت حاديهم: أن الله لا يزال يغرس غرساً يستعملهم في طاعته إلى يوم القيامة، والنعيم لا يدرك بالنعيم.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم أُسداً تخلف بعدها أشبالا