ثم إني أدعوكِ أخرى -يا أخت الإسلام- إلى أن تحمدي الله عز وجل الذي أنعم عليك بنعمة الإيمان، ونعمة القرآن، وكرَّمكِ، وطهَّركِ، ورفع منزلتك أيَّ رفعة، ولم تُرفَع منزلة المرأة تحت أي مظلة مثلما رُفعَت تحت مظلة:(لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ليس هذا فحسب؛ بل أنزل الله فيك وفي أخواتك سورةً كاملة في قرآنه باسم (سورة النساء)، وسورة أخرى باسم (سورة مريم)، وسورةً ثالثة باسم (سورة المجادلة).
ليس هذا فحسب؛ بل خصَّك بأحكام عديدة في كتابه الكريم، في حين كانت المرأة قبل هذا الدين سلعة رخيصة سلعة ممتهنه كسقط المتاع، عار على وليها، وعار على أهلها، وعار على مجتمعها الذي تعيش فيه؛ ولذلك تعامل أحياناً كالحشرة، بل تُفضَّل البهائم عليها.
لم تنالِ عِزَّكِ إلا في وسط هذا الدين يا أَمَة الله؛ فاستمسكي به، واسمعي إلى قول الله -عز وجل- يوم يحكي ماضياً لابد أن تتذكريه؛ فتحمدي الله أولاً وأخراً وظاهراً وباطناً على ما أنتِ فيه:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ}[النحل:٥٨ - ٥٩] بشر أحدهم! لا إله إلا الله، إنه ليئدُها ويقتلها ويدفنها حية أحياناً، فاسمعي يا أمة الله.
يُذكر أن صحابياً اسمه عبد الله بن مغفل -رضى الله عنه وأرضاه- كان إذا جلس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر على وجهه حزن وكآبة -حزن عظيم وكآبة عظيمة- فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب حزنه ذلك الذي لا ينقطع أبداً.
فقال: يا رسول الله! كنت في الجاهلية، وخرجت من عند زوجي وهي حامل، وذهبت في سفرٍ طويل لم أعُدْ إلا بعد سنوات، وجئت وإذا بها قد أنجبت لي طفلة تلعب بين الصبيان كأجمل ما يكون الأطفال، قال: فأخذتها، وقلت لأمها: زيِّنيها زيِّنيها! وهي تعلم أني سأئدها وأقتلها، فقامت أمها تزينها وبها من الهمِّ ما بها، زينتها وتقول لأبيها: يا رجل! لا تضيِّع الأمانة، يا رجل! لا تضيِّع الأمانة، قال: ثم أخذتها كأجمل ما يكون الأطفال براءة وجمالاً، فخرجت بها إلى شِعْب من الشعاب، قال: وبقيت في ذلك الشعب أبحث عن بئر أعرفها هناك، فجئت إلى بئر طوية دوية، ليس فيها قطرة ماء، قال: فوقفت على شفير البئر، أنظر إلى تلك الصغيرة، فيرقُّ قلبي لما بها من البراءة وليس لها من ذنب، ثم أتذكر نكاحها وسفاحها؛ فيقسو قلبي عليها، بين هاتين العاطفتين أعيش، قال: ثم استجمعت قواي، فأخذتها، فنكبتها على رأسها في وسط تلك البئر.
قال: وبقيت أنتظر هل ماتت؟ وإذا بها تقول: يا أبتاه! ضيعت الأمانة، يا أبتاه! ضيعت الأمانة.
ترددها وترددها حتى انقطع صوتها؛ فوالله يا رسول الله! ما ذكرت تلك الحادثة إلا وعلاني الحزن والهم، وتمنيت أن لو كنت نسياً منسياً لو كان ذلك في الإسلام، ثم نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا دموعه تهراق على لحيته صلى الله عليه وسلم، وإذ به يقول -فيما رُوي- {يا عبد الله! والله لو كنت مقيماً الحد على رجل فَعَل فعلاً في الجاهلية لأقمته عليك، لكن الإسلام يَجبُّ ما قبله} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.