[قصة أبي محجن رضي الله عنه]
هاهو أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو محجن الثقفي، ممن أسلم مع ثقيف حين أسلمت ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه تمادى في شرب الخمر، في تلك الكبيرة من الكبائر، وما زال يُجلد بعد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أكثر من ذلك سجنوه وأوثقوه، فلما كان يوم القادسية رأى أن المشركين قد أصابوا من المسلمين، فأرسل لامرأة سعد بن أبي وقاص، وقد كان مسجوناً في بيت سعد، قائلاً: يا بنت آل حفصة هل لك إلى خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: تخُلي عني، وتعيريني البلقاء -فرس سعد بن أبي وقاص - فأقاتل مع المسلمين، ولله عليّ إن سلَّمَني الله أن أرجع فأضع رجلي في القيد كما كنت، قالت: ما أنا وذاك، فرجع يرسف في قيوده، نفسه مشتاقة للجهاد في سبيل الله، ويرى أن المسلمين يُنال منهم ما ينال، فيقول:
كفى حزناً أن تُردي الخيل بالقنا وأترك مشدوداً عليَّ وثاقيا
إذا قمت عنَّاني الحديد وغُلِّقت مصارع دوني قد تصمُّ المناديا
وقد كنت ذا مال كثير وإخوة فقد تركوني واحداً لا أخا ليا
فلله عهد لا أخيس بعهده لئن فرجت ألا أزور الحوانيا
فقالت سلمى: لقد اخترت الله، ورضيت بعهدك.
فأطلقته، وأعطته فرس سعد الذي كان في الدار، وأعطته مع ذلك سلاحاً.
فخرج كالأسد يركض حتى لحق بالجيش المسلم، فجعل لا يزال يحمل على مشركٍ إلا دق صلبه وقتله، حمل على ميسرة القوم، ثم حمل على ميمنة القوم، كان يقصفهم -ليلتئِذٍ- قصفاً عظيماً، حتى تعجب الناس منه وهم لا يعرفونه، تعجب سعد وهو يرقب المعركة، ويقول: من ذلك الفارس الملثم؟ ولِمَ يتلثم؟ ولِمَ لمْ يظهر إلا في آخر النهار؟ تساؤلات ترد على ذهن سعد.
ولم يلبثوا إلا قليلاً حتى هُزم أعداء الله عز وجل، ورجع أبو محجن ورد السلاح، وجعل رجليْه في القيد، وجاء سعد، فقالت امرأته: هنيئاً لكم النصر، كيف قتالكم اليوم؟ فجعل يخبرها، ويقول: لقي جند الله ما لقوا، ولقوا ولقوا ويذكر لها حتى بعث الله رجلاً على فرس أبلق، فلولا والله أني تركت أبا محجن في القيد لقلت: إنها بعض شمائل أبي محجن، قالت: والله إنه لـ أبي محجن، وذكرت له ما كان من أمره.
فما كان من سعد إلا أن ذرف الدموع، وقال: حلوا قيوده، وأتوني به، فأتوا به إليه، قال: يا أبا محجن -والله- إني لأرجو الله ألا أجلدك على خمر بعد اليوم أبداً، قال: لا والله ما أشربها بعد اليوم أبداً، قد كنت أشربها فتطهرني بالحد والجلد، وأما اليوم فإن شربتها فلا يطهرني إلا النار، فلم يشربها بعد ذلك أبداً.
فخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محَّضاك النصح فاتَّهم
{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُم مغْفِرَةً منْهُ وَفَضْلا} [البقرة:٢٦٨] فمن تجيب أخي المسلم؟
العز في كنف العزيز ومن عبد العبيد أذَلَّه الله