[دعوة إلى التوبة والعودة إلى أفياء الطاعة]
يا من بدرت منه الخطيئة وكلنا ذاك! عودة عودة إلى أفْيَاء الطاعة، الباب مفتوح، والظل والرخاء من وراء الباب فالزم سدة الباب، وقم في الدُّجا، واصرخ بلسان الذُّل، مع وجيف القلب، وواكف الدَّمع: يا أيها العزيز! مسَّنا وأهلنا الضُّرُّ.
هيا فالنَّفَس يخرج ولا يعود، والعين تطرف ولا تطرف الأخرى إلا بين يديْ العزيز الحميد.
فلابد من ساعة طاهرة تكون الرءوس بها فاغرة
إذا استوفت النفس مكيالها وزُلْزِلت الأرض زلزالها
فما لك من فرصة للإياب ولن يرجع العمر بعد الذهاب
تقدم فما زال للصلح باب وبالموت يغلق باب المتاب
{وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيماً} [النساء:٢٧]
رِيدِي حياض النجا يا نفس واطَّرحي حياض حبِّ الهوى للشاء والنَّعِمِ
بادر قبل أن تُبَادَر! بادر بالإقلاع عن الذنب بشعور بالألم، يقضُّ المضاجع، ويؤرِّق المنام، ويقرِّح الجفون، ويزرع في القلب الحسرة والندامة، مع عزم أَكيد على استئناف حياة صالحة نقية تقية طاهرة.
بادر فإن تأخير التوبة من الذنب ذنب يحتاج إلى توبة: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآن} [النساء:١٨].
بادر فإن الذنب يجر إلى الذنب، فكم من ذنب صغير كانت النهاية معه بالتسويف أن يُحال بين صاحبه وبين قلبه، وقد يُسلَب إيمانه فبادر.
أرأيت لو أن رجلاً أُمِرَ باقتلاع شجرة باسقة كبيرة أصولها وهو شاب، فرآها كبيرة فهابها، وقال: فلندعها إلى الغد، فلمَّا جاء الغدُ قال: لندعها إلى العام القادم إلى الذي يليه إلى الذي يليه فإنه بمرور الوقت تضعف قوته ويخور، ثم لا يستطيع بعدها قلعها، فما لا تقدر عليه في الشباب لا تقدر عليه -غالباً- وقت المشيب.
فمن العناء رياضة الهَرِم، ومن التعذيب تهذيب الذيب، والقضيب الرطب يقبل الانحناء، فإن جفَّ وطال عليه الزَّمن صعب واستعصى، والغصن أقرب تقويماً من الخشب وما عجزت عنه اليوم قد تكون غداً أشد عجزاً.
فلا تُبقِ فعل الصالحات إلى غدٍ لعل غداً يأتي وأنت فقيد
فبادر! يُفعل الذنب فَيَخْلَقُ الإيمان في القلب كما يَخْلَق الثوب، ثم يُغلَّف بالرَّان فيذبل، ثم يقسو: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم من ذِكْرِ اللهِ} [الزمر:٢٢] ثم يموت، وعندها يُحْرم الإنسان لذَّة مناجاة الله، فعباداته بعد ذلك آليَّة لا روح فيها، لا تزكِّي نفسه، ولا تطهِّر رجْسَه، تلك عقوبة وبلية أي بلية، ثم ينسى القرآن إن كان معه شيء من القرآن، ثم يُهْمِل الاستغفار، ثم يحرص على الذنب مع عدم التلذذ به، كلما حاول أن يعود أُرْكِسَ في ذنبه مع همٍّ وغمٍّ وحزن وخوف وذلٍّ لا يفارقه، أبى الله إلا أن يذلَّ مَنْ عصاه.