ألا فاسمعوا -رحمكم الله- إلى وصفٍ صادقٍ لقصة الخطيئة والتوبة من كعب.
اسمعوا لوصفٍ صادقٍ لقصة الخطيئة من كعب أحد الثلاثة الذين خُلِّفوا -رضوان الله عليهم وعلى الصحابة أجمعين-: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى}[يوسف:١١١].
والقصة في الصحيحين مثبتة، وراويها كعب بنفسه؛ فها هو كعب يقول:{وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن -قط- أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله! ما جمعت قبلها راحلتيْن -قط- حتى جمعتهما في تلك الغزاة، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورَّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة، فغزاها صلى الله عليه وسلم في حرٍّ شديد، واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً، واستقبل عدداً كثيراً، فجلى عندها للمسلمين أمرهم؛ ليتأهبوا أُهبة غزوهم، أخبرهم بوجهتهم التي يريد، والمسلمون يومها مع رسول الله كثير، فقلما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى ما لم ينزل فيه وحي من الله.
غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة يوم طابت الثمار، ويوم طاب الظلال.
فها هو يتجهز والمسلمون معه.
يقول كعب: وطفقت أغدو لكي أتجهَّز معه، فأرجع، ولم أقضِ شيئاً، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرع الجيش، وتفارط الغزو، فهممت أن أرتحل، فأُدركُهم فيا ليتني فعلت}.
ويأخذ ذلك من كعب مأخذه، ويبلغ الحزن مبلغه، وتبلغ المحاسبة مبلغها.
لسان حاله يقول:
ندمت ندامة لو أن نفسي تُطاوِعني إذاً لقطعت خمسي
ولسان مقاله يقول:{فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أحزنني وآلَمني ألا أرى أسوة لي إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق، أو رجلاً ممن عذره الله من الضعفاء والذين لا يجدون ما ينفقون، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال -وهو جالس بين صحبه-: ما فعل كعب؟ فقال رجل من بني سلمة -من عشيرة كعب -: يا رسول الله! حبسه برداه، ونظرُه في عِطفيْه، ويذبُّ عن عرضه معاذ -رضي الله عنه- فيقول: بئس ما قلت، والله يا رسول الله! ما علمنا عنه إلا خيراً؛ فسكت صلى الله عليه وسلم.
يقول كعب: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلاً من تبوك، حضرني بثِّي وحزني وغمي وهمي، فطفقت أتذكر الكذب، وأقول: بِمَ أخرج من سخط رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ غداً؟ وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي؛ فلما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً راح عني الباطل وانزاح، حتى عرفت أني لن أنجوَ منه بشيء إلا بالصدق، فأجمعت صدقه صلى الله عليه وسلم، وجاء المُخلَّفون بأعذارهم، فقبل منهم صلى الله عليه وسلم ظاهرهم، ووكَل سرائرهم إلى من لا تخفى عليه خافية}.