إن عند الناس من الهموم ما يكفيهم، وهم بحاجة إلى من يواسيهم لا من يعنفهم، وعلينا ألا ننسى أن البشر مخلوقات عاطفية تجذبهم الكلمة الطيبة وينفرهم التوبيخ والتقريع، وعند كل واحد منهم من الاعتداد بنفسه ومواهبه وإمكاناته ما يجعله يرى في الكلمة القاسية عدواناً على كرامته ومجاله الخاص.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ساق ما يحتاجه الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر: فلا بد من هذه الثلاثة: العلم والرفق والصبر، العلم قبل الأمر والنهي والرفق ومعه الصبر بعده .. وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف، ورووه مرفوعا:(لا يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر إلا من كان فقيها فيما يأمر به فقيها فيما ينهي عنه؛ رفيقا فيما يأمر به؛ رفيقا فيما ينهي عنه؛ حليما فيما يأمر به؛ حليما فيما ينهي عنه).
والداعية إلى جانب إيثار الكلمة الرقيقة والأسلوب العذب يؤثر أيضا التشبيهات الجميلة، ويبتعد عن الأمثال والتشبيهات القبيحة أو المنفرة؛ وقد سمعت آخر يشبه لا قطات (التلفاز) على أسطح المنازل بالرايات التي كانت تنصبها المومسات على بيوتهم في الجاهلية!! - قلت كيف لو رأى الأطباق اليوم - وهذا كلام الصمت خير منه بكثير!
إن قولنا: هذا خلاف الواقع يؤدي عين المعنى الذي يؤديه قولنا: هذا كذب، لكنه أرفق وألطف. وإن قولنا: ما رأيكم لو علمنا كذا ألطف من قولنا اعملوا كذا، وكفوا عن كذا ...
إن صيغة الأمر والنهي لم تعد مقبولة في كل موضوع؛ فالحضارة الحديثة وسعت دائرة الخصوصيات والحرية الشخصية إلى أبعد حد ممكن، وإن من واجبنا أن نشعر المخاطب أننا لا نتعدى على أي منهما.
فالرفق الرفق ((من يحرم الرفق يُحرم الخير كله)) صحيح مسلم.
ويقول الله تعالى:( ... وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)(آل عمران:١٥٩).