ولما حض النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة فأخرج عثمان رضي الله عنه تلك الصدقة العظيمة، قال: ما ضر عثمان ما عمل بعدها، وقال لطلحة لما تطأطا للنبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد على ظهره إلى الصخرة:(أوجب طلحة).
هذا موسى كليم الرحمن عز وجل ألقى الألواح التي فيها كلام الله الذي كتبه له، ألقاها على الأرض حتى تكسرت، ولطم عين ملك الموت ففقأها، وعاتب ربه ليلة الإسراء في النبي صلى الله عليه وسلم، وقال شاب بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي، وأخذ بلحية هارون وجره إليه وهو نبي الله، وكل هذا لم ينقص من قدره شيئا عند ربه، وربه تعالى يكرمه ويحبه، فإن الأمر الذي قام به موسى، والعدو الذي برز له، والصبر الذي صبره والأذى الذي أوذي به في الله أمر لا تؤثر فيه أمثال هذه الأمور، ولا تغير في وجهه ولا تخفى منزلته.
وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في فطرهم أنه من له ألوف من الحسنات؛ فإنه يسامح بالسيئة والسيئتين ونحوهما، حتى أنه ليختلج داعي عقوبته على إساءته وداعي شكره على إحسانه؛ فيغلب داعي الشكر داعي العقوبة، كما قيل:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع
وقال آخر:
فإن يكن الفعل الذي ساء واحداً ... فأفعاله اللآئي سررن كثير
والله سبحانه يوازن يوم القيامة بين حسنات العبد وسيئاته، فأيهما غلب كان التأثير له، فيفعل بأهل الحسنات - الذين آثروا محابه ومراضيه، وغلبتهم دواعي طبعهم أحياناً - من العفو والمسامحة ما لا يفعله مع غيرهم.