[احترام الحقيقة وتجنب المبالغة]
السادسة عشرة: احترِم الحقيقة، وتجنَّب الإغراق في المبالغة؛ فهي قبيحة تشوِّه الحقيقة، تَقرِّب البعيد، وتُبعِد القريب، وتُظهِر غبشاً في الرؤية على الطريق، إنها سماجة واستخفاف بعقل السامع، وسخرية من وجدانه -كما يقول صاحب زغل الدعاة - تهويل وتزييف للواقع، شَطَطٌ وتفخيم وتضخيم ضد الحقيقة، بل عجز عن رؤية الواقع على ما هو عليه، وضَعف في النفس مشين؛ حتَّى يُرَى سيئاً مَا لَيس بالسوء ويرى حَسَناً مَا لَيس بِالحَسَنِ.
الإغراق في المبالغة سلبية في حياة عامة الناس، وهي ظاهرة في سلوك المجتمع والأسرة والفرد، وقد تُعالَج بمثلها؛ داءٌ بداء فأين الدواء؟!
في كتاب: السلوك المثالي للطفل المسلم ما فحواه: يقول: جاء طفل مسرعاً نحو أمه قائلاً: لقد وجدت في الحمام فأراً يا أمَّاه مثل الفيل، فردَّت عليه الأم مؤنِّبة له: قلت لك مليون مرة: لا تُبالغ.
فقل لي بالله: أيُّهم أكثر مبالغة؟ ألَيْس الطفل معذوراً فيما أخبر به أُمَّه؟! بلى، وحاله:
محضتني النصح لكن لست تعمله فأنت أولى بذا مني على خجل
هذا على مستوى الأسرة والعامة، وتلك -والله- فاقرة، وقبيحة، وقاصمة، لكنها في حق طلاب العلم والأخيار ثَغرة كبيرة في جدران بنيانهم التربوي لا تكاد تُسدُّ.
فكل كسوف في الدراري شنيعة ولكنه في الشمس والبدر أشنع
إنها تظهر جليَّة مَشينة بالحكم على الآخرين؛ قَدحاً ومدحاً، فهذا يمدح ممدوحه حتى يوصِلَهُ ذرى الجبال، فلا تزال تَسمعُ ما يلي: فلان ابن تيمية عصره، وابن حَجَر زمانه، وبُخارِي أوانه، ليس له مثال، عَلاَّمة فَهَّامَة، حتى إذا ما حصل أمر أيُّ أمرٍ تغيَّر، وتبدَّل، وصار الأنف ذَنَبَاً، نُصِبت له المجانيق، وأُرسِلت الصواعق، وسُلَّت السيوف، ورُفِعت المَعَاول، ومن قمم الجبال إلى حضيض الإهمال، فإذا هو مارِد خرج من قُمقُمِه، فإيَّاك وإيَّاك! لا تتَّبِع أقواله؛ إنه غَاوٍ، مُضِل، مَارِق، مُعانِد، خَائِن، فاسِد العقيدة، أشر على الإسلام من اليهود والنصارى.
حَيْفٌ، وظلم، وشَطَط، وجور، وعدم اتِّزَان، وتدمير جَنَان.
يا عين سحي يا قلوب تفطري يا نفس رقي يا مروءة نادي
إن دام هذا ولم يحدث له غير لم يبك ميت ولم يفرح بمولود
يا معشر القراء يا ملح البلد ما يصلح الملح إذا الملح فسد
رحم الله القائل-يوم قال-: والله إنَّ الأُمَّة لن تأخذ مَوضعها بين الأمم؛ حتى تضع الكلمة في موضعها.
كيف تحيا أمة قد ودعت كلمة العدل ولم تدكِرِ