إن الخبر ليستلزم أن نقف عند خديجة رضي الله عنها تلك المؤمنة صاحبة الثراء، وصاحبة الجاه، وصاحبة المال، التي تزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أول مؤمنة به، وآزرته في محنته، وثبَّتته يوم خاف، ويوم عاصرت نزول القرآن من أول لحظاته، كانت أول مثبت للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي جاء النبي صلى الله عليه وسلم منها الولد، وكان يذكر ذلك لها بعد موتها، رضي الله عنها وصلى الله عليه وسلم.
جاء إليها يوماً من الأيام وهي تبكي بعد موت ابنها القاسم، فيقول: ما بك؟ قالت: دَرَّت لُبَينَة القاسم، فكان بودِّي لو عاش حتى يستكمل رضاعته، فقال صلى الله عليه وسلم:{إن له في الجنة مرضعاً تستكمل له رضاعته} فهان عليها ما كان.
وقامت معه عندما أنزل عليه الوحي، وجاء إليها يرتعش خائفاً مرتعداً؛ لما رأى جبريل وهو يقول له: اقرأ، وهو يقول لها: زملوني، دثِّروني، فيقول لها: والله يا خديجة! لقد خشيت على نفسي، قالت: كلا والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتحمل الكلَّ، وتُقْرِى الضَّيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق.
وقفت معه صلى الله عليه وسلم فقاسمته شدَّته ومحنته، وما تراجعت عن ذلك مع أنها صاحبة الجاه، وصاحبة السؤدد، وصاحبة المال، فزادت بذلك سؤدداً ومالاً وجاهاً.
واقتدي بتلك المرأة التي أتت تبحث عن جثة ابنها بين القتلى وهي مختمرة، فقال لها الصحابة: اكشفي خمارك حتى ترينه.
فقالت: لأن أفقد ولدي خير لي من أن أفقد حيائي وديني، إن الله خاطب رسوله فقال:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ}[الأحزاب:٥٩] ووالله ما أنا بخير منهن.
فتخلقي بأخلاق أهل الإسلام، وارجعي إلى سِيَر هؤلاء الأعلام، وادعي إلى الله عز وجل فإنك مسئولة عن علمك، ماذا عملت به أيتها المؤمنة، فما عسى يكون الجواب؟