يقول الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم:{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}[الفرقان:٣٠].
يقول ابن عباس رضى الله عنه وأرضاه:[[مَن لم يختم القرآن في شهر فقد هجره]] وهَجْرِ القرآن على أضرب: مِن الناس مَن يهجر العمل به، وتلك -والله- هي الطامة، ومنهم من يهجر تلاوته؛ فيقدم صحف ومؤلفات البشر على كلام رب البشر، يسهر على المذكرات يُعللها ويلخص فوائدها وليس بها فوائد، لكنَّ كتاب الله يشكوه إلى الله، كتاب الله يشكونا، هجرناه وأهملناه وضيعناه وخالفنا أوامره ونواهيه، قرآننا صار يشكو ما قرأناه:
عميٌ عن الذكر والآيات تندبنا لو كلم الذكر جلموداً لأحياه
يقول صلى الله عليه وسلم يستثير الهمم لتطلب الأجر والثواب من عند باريها:{اتلوا القرآن! فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها، أما إني لا أقول: ألف لام ميم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف} فعُد -يا عبد الله- واقرأ واحتسب الأجر عند الله؛ فإنك تأتي يوم القيامة وقد نصب لك في الجنة سلماً بدرجات، يقول الله لك بلا ترجمان:{اقرأ وارق ورتل؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها} فمن كان يقرأ في القرآن كثيراً رقى حتى يصبح كالكوكب الدُّري في سماء الجنة، ثم هم على منازل:{هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}[آل عمران:١٦٣].
عباد الله: من حفظ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يُوحى إليه، لا حسد في الدنيا ولا في مناصبها ولا في أموالها، لا حسد إلا في تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار، بيتٌ لا يقرأ فيه القرآن عششت فيه الهموم والغموم والنفاق، بيتٌ سكنته المعاصي والله لا يخرجها إلا القرآن، وليس كل المؤمنين يجب عليهم قراءة كل القرآن كاملاً، فمنهم من لا يقرأ القرآن وهو تقي عابد بار صالح خير؛ لأنه لا يقرأ أصلاً، فواجب مثل هؤلاء الذين فاتتهم القراءة أن يرددوا ما تيسر من سورٍ يحفظونها، وأن يسبحوا الله، ويحمدوا الله، ويهللوا ويكبروا ويصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتعلموا القرآن، وإن شق عليهم فإن لهم أجرين عند الله، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعيش مع القرآن بل كتابه الذي تربَّى عليه القرآن.
ولم يكن عند الصحابة مؤلفات ولا صحف ولا مجلات، معهم القرآن مُعلَّق في طرف البيت والسيف معلق في الطرف الأخر، كانوا يمشون على الأرض وكل واحد منهم قرآن، فتحوا الدنيا بآيات الله البينات، وهذه معجزة رسولنا صلى الله عليه وسلم أن يأتي بكتاب فيتوارث منه العلماء مجلدات ومجلدات تملأ البيوت والمكتبات في كل الدهور والعصور.
أتى النبيون بالآيات فانصرمت وجئتنا بعظيمٍ غير مُنْصَرِمِ
آياته كلما طال المدى جُددُ يَزِيِنُهُنَّ جلالِ العِتْقِ والقِدَمِ
فيا أمة القرآن! ويا حفظة كتاب الله! من يقرأ القرآن إن لم تقرءوه؟ مَن يتدبره إن لم تتدبروه؟ من يعمل به إن لم تعملوا به؟ أما سمعتم أساطين الكفر في كل مكان بدءوا -الآن- في الدخول في دين الله زرافات ووحداناً، بعد أن قال القرآن فيهم:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[فصلت:٥٣] في وقت يخرج منه أبناء هذا الدين.