للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رجال عملوا للجنة]

يا أيها الإخوة في الله: لما علم الصالحون هذا النعيم، ورأوا أن الفرصة قائمة، وأن السوق رائجة، وأن الثمن الجنة؛ رفعوا رءوسهم فنظروا إلى الأعلام فإذا هي أعلام الجنة قد نصبت، فشمروا إليها، فماذا عملوا؟

قدموا أموالهم ودماءهم وأوقاتهم وكل ذرة ونفس من حياتهم ثمناً للجنة ففازوا وأفلحوا، يحدوهم في ذلك ترغيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الجنة ونعيمها، يوم كان صلى الله عليه وسلم لا يضع جائزة إلا الجنة على أي عمل من الأعمال.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الأمثلة في الجوائز: {من يجهز جيش العسرة وله الجنة} {من يشتري بئر رومة وله الجنة} من يعمل كذا وله الجنة {من أقبل هذا اليوم ولم يدبر صادقاً محتسباً فله الجنة} فتجده يرفعهم إلى الجنة دائماً، لا يضع شيئاً مادياً عندنا دنيوياً -وإنما يرفعهم على زخرف الدنيا إلى الجنة ونعيمها.

أرأيتم إليه يوم يرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه إليه قميصاً مخوصاً بالذهب، والقميص هذا للأكيدر ملك دومة الجندل، يوم ذهب إليه خالد فأخضعه واستأسره وأخذ قميصه الذي عليه وكان مخوصاً بالذهب -موشى بالذهب- فأرسله للمصطفى صلى الله عليه وسلم، يوم كنا نغزو ولا نغزى، يوم كنا نفرض شروطنا ولا تفرض علينا الشروط:

كم صرفتنا يد كنا نصرفها وبات يملكنا شعب ملكناه

رباه! ارفع ما بالأمة.

رباه! ارفع ما بالأمة فإنها قد ذلت وأي ذل! ولا رافع لهذا الذل إلا أنت سبحانك وبحمدك!

يا أيها الإخوة: يوم جاء النبي صلى الله عليه وسلم هذا القميص نظر الصحابة وتجمعوا وقالوا: قميص من ذهب، والواحد منهم ما يجد ما يستر به سوءته، فأعجبوا بهذا، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ليرفعهم عن هذا الزخرف فقال -كما في البخاري -: {أتعجبون من هذا! لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منه} والله! لبعض ذاك المنديل خير من هذا عند الله جل وعلا، فكان يرفعهم فارتفعوا.