[مواقف من تربية النبي صلى الله عليه وسلم]
صدقوا ما عاهدوا من خلال تربية المصطفى صلى الله عليه وسلم، صار كل صحابي أمَّة وحده، فما من صحابي إلا وله سمة معينة، وموقف خاص، منهم من أشار واقترح، ومنهم من أوضح وشرح، ومنهم من أضاف واستدرك، وكل ذلك فيما يخدم الدعوة إلى الله جل وعلا.
فـ سلمان يستفيد من خلفيَّته الحضارية الفارسية المادية ليخدم هذا الدين؛ فيقترح يوم تحزّب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم حفر الخندق، وأَنْعِمْ به من اقتراح.
والخباب يقترح الوقوف في غزوة بدر على الماء، فيشرب المسلمون ويحرم المشركون.
ويوم يُعاد أبو جندل وهو يستنجد بالمسلمين ويقول: يا معشر المسلمين! أتردوني إلى أهل الشرك فيفتنوني عن ديني، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسليه ويعزيه ويقول: {اصبر واحتسب؛ فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً}.
وإذا بـ عمر -وما عمر؟! عجزت نساء الأرض أن ينجبن مثلك يا عمر - ينفعل مع الموقف، ويمشي بجوار أبي جندل ويقرب سيفه من أبي جندل؛ طمعاً في أن يستله ليقتل أباه دون مؤاخذة على بنود صلح الحديبية، لكن أبا جندل لم يفعل؛ فأعيد.
وانظر إلى الصديق، وما الصديق؟!
يوم يتولى الخلافة، فترتد بعض قبائل العرب بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم تكن الجمعة تقام إلا في بعض الأمصار؛ كـ مكة والمدينة، فيقوم لله قومة صادق مخلص؛ ليؤدب المرتدين، وينفذ جيش أسامة، وفي أقل من سنتين إذا بجيوشه ترابط على أبواب أعظم إمبراطوريتين في ذلك الوقت؛ ألا وهي فارس والروم، شعاره: [[ولو خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي]].
شعاره شعار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم يقول: {لأقاتلنكم حتى تنفرد سالفتي}.
وأبو بصير، ما أبو بصير؟! يخطط لحرب عصابات بعيدة عن بنود صلح الحديبية، إذ جاء مسلماً فارّاً بدينه من قريش إلى المدينة بعد صلح الحديبية، وبعد توقيع المعاهدة.
فأرسلت قريش في طلبه رجلين، فسلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم -وفاءً بالعهد- إليهم، وفي الطريق تمكَّن أبو بصير بشجاعته وحكمته وذكائه من قتل أحد الرجلين، ويفر الثاني، ويرجع هو إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: {قد -والله- أوفى الله ذمتك يا رسول الله! فلقد رددتني إليهم، ثم نجاني الله منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم-كما في البخاري - {ويل أمِّه؛ مسعر حرب لو كان معه أحد}.
فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده عليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر، واستقر به المقام هناك، وفهم المستضعفون من عبارة الرسول صلى الله عليه وسلم -وكانوا أذكياء- أن أبا بصير في حاجة إلى الرجال، فأخذوا يفرون من مكة إلى أبي بصير، وكان على رأسهم أبو جندل، جاء الفرج والمخرج كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
اجتمع منهم عصابة يتعرضون لقوافل قريش، فيقتلون حراسها، ويأخذون أموالها، وتضطر عندها قريش مرغمة ذليلة راكعة أن ترسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم أن يرسل إلى أبي بصير ومن معه؛ فمن أتاه فهو آمن.
تنازلت عن هذا الشرط تحت ضغط العصابة المؤمنة كـ أبي بصير وأبي جندل، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وأبو بصير في مرض الموت، فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه، وقدم أصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنين سالمين غانمين قد جعلوا من أنفسهم أنموذجاً يُقتدى به في الثبات، والإخلاص، والعزيمة، والجهاد، وتمريغ أنوف المشركين، والذكاء، وبذل الجهد في نصرة هذا الدين، حتى قرروا مبدأ من المبادئ؛ ألا وهو: (قد يسع الفرد مالا يسع الجماعة).
كل ذلك في حكمة، وأي حكمة! إذ كان ذلك بإشارة من النبي صلى الله عليه وسلم، وتشجيع من النبي صلى الله عليه وسلم يوم وصف أبا بصير بأنه مسعر حرب لو كان معه رجال، ثم إن أبا بصير خارج عن السلطة، ولو في ظاهر الحال، فلا مؤاخذة على بنود المعاهدة: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:٢٦٩].
وهذا خالد بن الوليد يستلم الراية يوم مؤتة -يوم سقط القوَّاد الثلاثة- بلا تأمير فرضي الله عن الجميع.
وفي القادسية تنفر خيل المسلمين من الفِيَلة، فيعمد صحابي ليصنع فيلاً من طين، ويؤنس ويؤلف فرسه به حتى يألفه، فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيلة، فحمل على الفيل الذي كان يقدم الفيلة، فقيل له: إنه قاتلك، قال: لا ضير أن أقتل ويفتح الله على المسلمين.
ما كانوا يعيشون لأنفسهم، لكن يعيشون لدينهم، ويعيشون لعقيدتهم.
وهذا عبد الرحمن بن عوف يصفق بالأسواق حتى لا يكون عالة على غيره:
مَضَوْا في الدُّنَا شرقاً فأسلمَ فُرسُها وسَاروا بِها غَرباً فسلَمَ رُومُها
زيد يجمع القرآن، وابن عمرو يدوِّن الحديث، وابن عباس يخرج إلى الأسواق ليسلم على الناس، ويذكرهم برب الناس.
ويتحاور ويتناقش سلمان وأبو الدرداء حول قيام الليل، وحقوق العيال.
تسابق إلى الخيرات، عزيمة في الأداء، إيجابية في العمل دون النظر لما يقوله الآخرون، أو حب لشهرة يراها المسلمون.