للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التجمل أمر مشروع لكنه ليس مقياساً للتفاضل

إنَّ من أحوال المسلم أن يَحْتفي ويَنْتعل، ويمتشط ويدع ذلك، ويلبس اللباس الجميل والحذاء الحسن، ومع هذا لا تتحكم هذه المظهرية فيه، ولا يوزن بها، ولا تأسر شخصيته، فهو يحكمها ويأسرها، خلافاً لموازين معكوسة جعلت المظهرية هي الميزان.

قيمةُ المرءِ عندهم بين ثوبٍ باهرٍ لونُه وبين حذاءِ

ماذا لو خرج العالم حافيًا بين الناس؟ أينقص علمه وقدره؟ ماذا لو انتعل الغبي الجاهل أحسن النعال، أيصبح عالماً فقيهاً؟ ماذا لو لبس المعتوه أحسن الثياب وأجملها، أيغْدُو ذا لبٍ؟

إن كان في لبس الفتى شرف له فما السيف إلا غِمْده والحمائلُ

إنَّ الاكتفاء في المقاييس بارتداء الملابس والامتشاطات الساحرة والعطور المنعشة مع عدم النظر إلى التقوى والعلم، والرأي حَيف ونكسة.

رب ذي مظهرٍ جميلٍ توارى خلف أثوابه فؤاد خئون

إن اللباس الحسن والترجل والتطيب من الأمور المشروعة ومن زينة الحياة، لكن ليست هي الأصل، وليست هي المقياس في الحكم على الناس، إن التراب مكمن الذهب، فلا يغرنَّك حسن المظهر وحسن الهيئة وجمال الهندام والبزة، فكم ممَّن ارتداها وهو يحمل بينها نخاعاً ضامراً، وفكراً بائراً، وقلباً حائراً، فهل يقدم مثل هذا؟ كلا.

وهل تروق دفيناً جودة الكفن

{رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبرَّه} كما ثبت في صحيح مسلم رحمه الله.

لا يغرنك البهاء والصور تسعة أعشار من تراهم بقر

ولكن أكثر الناس لا يعقلون، فالعبرة كل العبرة بصلاح القلوب والأعمال لا بالصور والأموال، ولا بالمظاهر والأشكال، وإنما تُنْصر الأمة بضعيفها، بصلاته ودعائه، فلا تَغرنَّك المظاهر؛ وابْلُ الرجال تحبهم أو تُبغضهم، ومن ثمارهم تعرفونهم.

وعلى الفتى لطباعه سِمة تَلُوح على جبينه

لقد عظم البعير بغير لب فلم يستغن بالعظم البعير

يُصرفه الصغير بكل وجه ويحبسه على الخسف الجرير

وتضربه الوليدة بالهراوى فلا غير لديه ولا نكير

فإن كنت في شك من السيف فابله فإما تنفيه وإما تعده