[ربح كعب وأصحابه وخسارة الكاذبين]
الحمد لله؛ وعد بحسن العاقبة للصادقين، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩].
واعلموا أن الصدق من أكرم الصفات الإنسانية، وأعظم الفضائل الخلقية؛ فهو أهم الأسس في بناء الأمة وسعادة المجتمع؛ إذ به يرتبط كل شأن من شئون الحياة، وتتعلق به كل مصلحة من مصالح الناس، ولذلك أمر الله به، وجعله خُلُقاً لحَمَلَة وحْيِه ومبلِّغي رسالاته؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة ومثلاً أعلى للصدق في القول والعمل منذ نشأته حتى لحق بربه صلى الله عليه وسلم، وكذلك كان الأنبياء والمرسلون.
وما عاش المجتمع الإسلامي الأول في ظل الأمن والاستقرار والسعادة إلا لأن أفراده كانوا يتحرَّوْن الحقَّ، ويتصفون بالصدق في علاقاتهم وعباداتهم ومعاملاتهم؛ بل في كل حياتهم الخاصة والعامة، والمؤمنون كذلك صُدُق في كل زمان ومكان.
ولنرجع معك أخي المسلم إلى قصة كعب؛ فلم تنتهِ بعدُ، لم تقف القصة عند البشارة بالتوبة والتهنئة بالقبول، إنما جلس كعب بين يدَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: {يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله.
فقال عليه الصلاة والسلام: أمسك عليك بعض مالك؛ فهو خير لك، ثم قال: يا رسول الله! إن الله إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدِّث إلا صدقاً ما حييت، فوالله ما علمت أحداً من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث أحسن مما أبلاني الله تعالى، والله ما تعمَّدْتُ كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي، والله ما أنعم الله عليَّ من نعمة -قط- بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخشى أن أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا}.
إن الله قال للذين كذبوا شرَّ ما قاله لأحد يوم قال: {سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:٩٥ - ٩٦].
فيا عبد الله: الصدق فضيلة وطمأنينة بل صفة من صفات المؤمنين؛ فلتكن متعلقاً به، وليكن قدوتك كعباً وصحبه -رضوان الله عليهم- فليس بينك وبينهم حاجب يحجبك عن التشبُّهِ بهم، اقتدِ بهم تكن بعضهم.
إذا أعجبتك خصال امرئ فكنه يكن منك ما يعجبك
فليس على الصدق والمكرمات إذا جئتها حاجب يحجبك
ليكن قدوتَك الإمام ابن شهاب الزهري يوم يقول: [[والله! لو نادى منادٍ من السماء أن الكذب حلال ما كذبت]].
ألا عباد الله: تحرَّوْا الصدق، وإن رأيتم الهلكة فيه؛ فإن النجاة فيه، وتجنبوا الكذب، وإن رأيتم النجاة فيه؛ فإن الهلكة فيه، ألا واتقوا الله، وكونوا مع الصادقين، وتوبوا إلى ربكم واصدقوا، وقولوا قولاً سديداً تفوزوا فوزاً عظيماً؛ فالصدق أبلج، والكذب لجلج.
والكذب ساعة، والصدق إلى قيام الساعة.
والحق يعلو والأباطل تسفل والحق عن أحكامه لا يُسألُ
وإذا استحالت حالة وتبدلت فالله عز وجل لا يتبدلُ
ألا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد فقد أمرتم بالصلاة عليه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى أهله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين.
اللهم أصلح من بصلاحه صلاح للإسلام والمسلمين، وأهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين.
رباه! إن حالنا لا يخفى عليك، وذلنا ظاهر بين يديك، والمسلمون عبيدك وبنو عبيدك، وحملة كتابك وأتباع رسولك وحبيبك؛ قد تمزق شملهم، وتفرق جمعهم، وذهبت هيبتهم، ونال منهم عدوهم، وطمع فيهم الأذلاء، وسلط عليهم بذنوبهم من لا يخافك ولا يرحمهم.
اللهم فالطف بهم بلطفك الخفي والجلي، اللهم الطف بهم بلطفك الخفي والجلي، اللهم لا تعاملهم بما فعل السفهاء والكبراء منهم يا رحيم يا منان.
اللهم ارحم أمة محمد صلى الله عليه وسلم رحمة عامة شاملة يعز فيها أولياؤك، وينصر جندك، ويذل فيها أعداؤك وأعداء دينك وشريعتك وكتابك العظيم.
اللهم إنا نسألك باسمك الأعظم الطيب الطاهر المبارك الأحب إليك الذي إذا دعيت به أجبت وإذا سئلت به أعطيت وإذا استرحمت به رحمت نسألك فرجاً عاجلاً للمضطهدين والمستضعفين من المسلمين، وهلاكاً للطغاة والظلمة المجرمين، تباركت أسماؤك وتقدست صفاتك ولا إله غيرك.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأَجِرْنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا على من بغى علينا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا.
اللهم احفظ شباب هذه الأمة الذي آمن بك رباً وبنبيك قائداً وبدينك منهاجاً وطريقاً.
اللهم احفظهم من كيد الكائدين وحقد الحاقدين من أعداء دينك وصراطك المستقيم.
اللهم ثبتهم على الحق، وانصر بهم دينك، واجعلنا وهم من الصادقين والصابرين والمجاهدين في سبيلك يا أرحم الراحمين!
اللهم وأقم دولة القرآن في كل مكان، وأحينا بها سعداء كرماء أو أمتنا دونها شهداء، واجعلنا من أهل الصلاح والفلاح والنجاح يا سميع الدعاء.
اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، اللهم وأهلك الكفرة الفجرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك وعبادك الصالحين.
اللهم أنزل عليهم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
اللهم يا قريباً لمن دعاك! يا مغيثاً لمن لاذ بحماك! يا معيذاً من استعاذ بك، نسألك أن تعيذنا من النار ومن دار الخزي والبوار.
اللهم حقق رجاءنا، واقبل دعاءنا فإنك أنت القائل: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:٦٠].
اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، وأنت الرحيم الرحمن الحليم المنان يا ذا الجلال والإكرام!
اللهم فلا تردنا خائبين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.