[الإشارة السادسة والعشرون: تحيز إلى الله ورسوله ولو كنت وحدك]
(إذا كان الله ورسوله في جانب فأحذر أن تكون في الجانب الآخر، فإن ذلك يقضى إلى المشاقة والمحادة، وهذا أصلها ومنه اشتقاقها، فإن المشاقة أن يكون في شق ومن يخالفه في شق، والمحادة أن يكون في حد وهو في حد، ولا تستسهل هذا فإن مبادئه تجر إلى غايته، وقليله يدعوا إلى كثيره.
وكن في الجانب الذي يكون فيه الله ورسوله وإن كان الناس كلهم في الجانب الآخر، فإن لذلك عوقب هي أحمد العواقب وأفضلها، وليس للعبد أنفع من ذلك في دنياه قبل آخرته، وأكثر الخلق إنما يكونون في الجانب الآخر، ولا سيما إذا قويت الرغبة والرهبة، فهناك لا تكاد تجد أحد في الجانب الذي فيه الله ورسوله، بل يعده الناس ناقص العقل سيء الاختيار لنفسه، وربما نسبوه إلى الجنون، وذلك من مواريث أعداء الرسل فإنهم نسبوهم إلى الجنون لما كانوا في شق وجانب والناس في شق وجانب آخر.
ولكن من وطن نفسه على ذلك فإنه يحتاج إلى علم راسخ بما جاء به الرسول يكون يقينا له لا ريب عنده فيه، وإلى صبر تام على معاداة من عاداه ولومة من لامه، ولا يتم له ذلك إلا برغبة قوية في الله والدار الآخرة، بحيث تكون الآخرة أحب إليه من الدنيا وآثر عنده منها، ويكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وليس شيء أصعب على الإنسان من ذلك في مبادئ الأمر، فإن نفسه وهواه وطبعه وشيطانه وإخوانه ومعاشريه من ذلك الجانب يدعونه إلى العاجل، فإذا خالفهم تصدوا لحربه، فإن صبر وثبت جاءه العون من الله وصار ذلك الصعب سهلا، وذلك الألم لذة، فإن الرب شكور، فلا بد أن يذيقه لذة تحيزه إلى الله وإلى رسوله ويريه كرامة ذلك فيشتد به سرورا وغبطة ويبتهج ويبقى من كان محارب له - على ذلك- بين هائب له ومسالم ومساعد وتارك، ويقوى جنده ويضعف جند العدو.