[دفن النبي صلى الله عليه وسلم لذي البجادين في تبوك]
لا زالت الأحداث المثيرة تتوالى في تبوك: يقول ابن مسعود رضى الله عنه: {ونِمْنا تلك الليلة وانتبهت وسط الليل، فالتفت إلى فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجده، إلى فراش أبي بكر فلم أجده، إلى فراش عمر فلم أجده، وإذ بنار وسط الليل تضيء آخر المعسكر، فذهبت أتبعها؛ فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قد حفر قبراً ومعه أبو بكر وعمر، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم سراج بيده قد نزل إلى القبر قال: قلت يا رسول الله من الميت؟ قال هذا أخوك عبد الله ذوالبجادين} من هو؟
إنه أحد الصحابة، حلت به سكرات الموت بالليل، فقام صلى الله عليه وسلم وشهد موته، وودعه ودعا له، وحفر قبره بيده الشريفة وأيقظ أبا بكر وعمر.
يقول ابن مسعود:{فو الذي لا إله إلا هو! ما نسيت قوله صلى الله عليه وسلم وهو في القبر، وقد مد ذراعيه لـ ذي البجادين، وهو يقول لـ أبي بكر وعمر: ادنيا إليَ أخاكما فدلياه في القبر ودموعه صلى الله عليه وسلم تتساقط على الكفن.
ثم وقف صلى الله عليه وسلم لما وضعه في القبر رافعاً يديْه مستقبلاً القبلة، يقول: اللهم إني أمسيت عنه راضياً فارض عنه، اللهم إني أمسيت عنه راضياً، فارض عنه.
يقول ابن مسعود: يا ليتني كنت صاحب الحفرة، لأنال دعاءه صلى الله عليه وسلم} من هو ذوالبجادين؟
إنه صحابي جليل، أسلم وكان تاجراً، فأخذ قومه أهله ماله؛ لأنه آمن وهم يريدون له الكفر، أخذوا حتى لباسه، فذهب فما وجد لباساً غير شملة قطعها إزاراً ورداء - بجادين- وفر بدينه يريد الله والدار الآخرة.
قدم على المصطفىصلى الله عليه وسلم ذوالبجادين، وأُخبِرَ صلى الله عليه وسلم بخبره:{فقال: تركت مالك لله ورسوله، أبدلك الله ببجاديْك إزاراً ورداء في الجنة، أنت ذوالبجادين} فلُقِّب من تلك اللحظة بـ ذي البجادين، وكان مصرعه في تبوك، ومضى الركب وخلفوه هناك، لكنهم يجتمعون معه في جنة عرضها السماوات والأرض:{يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ}[التحريم:٨].
ويقيم صلى الله عليه وسلم بـ تبوك ويدنو من الروم ويفزعهم، ويكاتب رسلهم، ويفرض عليهم الجزية، وهم صاغرون، ولم يلق كيداً منهم؛ لأن الله قد نصره بالرعب مسيرة شهر، فلم يقرب إليه الروم خوفاً وفزعاً، وقد كانوا قبل قد عزموا على غزوه في عقر داره:{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً}[الطارق:١٦ - ١٨].