هاهو أبو الدرداء لما فتح المسلمون جزيرة قبرص، رأى صراخ أهلها، وبكاء بعضهم إلى بعض؛ فبكى كثيراً، قيل له: يا أبا الدرداء: ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ قال:[[ويحكم، ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره، بينما هم أمة ظاهرة قاهرة تركوا أمر الله، فصاروا إلى ما ترون]].
ولا نذهب بعيداً بل نقلب النظر إلى من كانوا في رغد من العيش، في هناء وسعادة، فطغى أمراؤهم، وسكت علماؤهم، وأُبْلس دعاتهم، فما تُكِلم بمعروف وما نُهِي عن منكر، ولم يؤخذ على يد ظالم، فأمهلهم الله، ثم أخذهم أخذ عزيز مقتدر {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}[هود:١٠٢].
إليكم خياريْن لا ثالث لهما: إما أمر بمعروف ونهي عن منكر بقوة وأخذ على يد الظالم، وإما ضرب للقلوب، ثم لعنة توجب طرداً وإبعاداً من رحمة الله جل وعلا، أقول هذا إعذاراً بين يدي الله، وإقامة للحجة عليكم، وتحذيراً من أن يقع بنا بأس الله؛ فإن بأس الله لا يُرد عن القوم المجرمين، بينما الأمم هانئة وادعة، تترك أمر الله، وترتكب نهيه، ولا آمِر، ولا ناهٍ، إذ بالجو يدلَهِمُّ، والدماء تجري، والخوف والقلق يعم، هذه سنة الله، يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
يا أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا يومه، بل هذه ساعته، هذا وقت البيان، آن الوقت لئلا تأخذ الأمة في الله لومة لائم، إن الأمر جد خطير، وإن الله ينذر، ثم ينذر، ثم ينذر، ونُذُرُ الله تأتي في صور متعددة؛ فإن ارعوى الناس، وآبوا، وعادوا، وإلا:{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}[محمد:٣٨].
أسأل الله أن يوفق الأمة وولاتها إلى القيام بمسئولية الأمر والنهي على الوجه الذي يرضي ربنا عنا، اللهم اجعلنا خير أمة أخرجت للناس بأمرنا ونهينا، كما كنا إنك على كل شيء قدير.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.