سابعاً: ومما يكشف الكربة عند فقد الأحبة: العلم بتفاوت المصائب؛ فإن كانت المصيبة بعيدة عن الدين؛ فإنها هيِّنة سهلة يسيرة؛ لأن مصيبة الدين هي أعظم وأفدح مصيبة.
ومصائب الدنيا كذلك تتفاوت، فإذا حصَّلت الأدنى من المصائب فتسلَّ بذلك عن ما هو أعلى وأعظم واحْمَدِ الله على ذلك.
قال السفاريني -عليه رحمة الله-: المصائب تتفاوت؛ فأعظمُها المصيبةُ في الدين -نعوذ بالله من ذلك- فإنها أعظم من كل مصيبة، والمسلوب من سُلب دينه.
وكل كسر لعل الله جابره وما لكسر قناة الدين جُبرانُ
فإذا رأيت إنساناً لا يبالي بما أصابه في دينه من ارتكاب الذنوب والخطايا، من فوات للجمعة والجماعة وأوقات الطاعة، من ولوغ في المحرمات، من انتهاك للحرمات، ومن انتهاك لحدود الله وتجاوز لها؛ فاعلم أنه المُصابُ حقّاً، ثم اعلم أخرى أنه ميت لا يُحس بألم المصيبة ولا يشعر:{فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ}[الروم:٥٢].
وبعد مصيبة الدين المصيبة في النفس، ثم في الأهل، ثم في المال، وكلها تتفاوت بحسب ضخامة المصاب فيه وحقارته، فتندرج إلى أن تكون المصيبة في الشوكة وفي قطع شسع النعل، وشسع النعل في غاية الخسة كما تعلمون.
ولذا يقول شريح -عليه رحمة الله-: إني لأصاب بالمصيبة، فأحمد الله -عز وجل- عليها أربع مرات؛ أحمده إذا لم يجعلها أعظم مما هي عليه، وأحمده إذ رزقني الصبر عليها والاحتساب، وأحمده إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو فيه من الثواب، وأحمده إذ لم يجعلها في ديني؛ فإن من كل شيء عوضًا إلا الدين.
من كل شيء إذا ضيعته عوض وما من الدين إذا ضيعت من عوض